بغداد تلوّح بـ مراجعة العلاقة مع واشنطن بعد العدوان الاميركي الاخير الذي خلف 25 شهيدا
بغداد: دفعت الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت ليل الأحد قواعد لفصيل عراقي موال لإيران وأوقعت 25 قتيلا، رداً على مقتل أمريكي في هجوم صاروخي، الحكومة العراقية إلى التلويح بـ“مراجعة العلاقة” مع الولايات المتحدة.
المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي: “القوات الأمريكية اعتمدت على استنتاجاتها الخاصة وأولوياتها السياسية، وليس الأولويات كما يراها العراق حكومة وشعباً”
وأقر رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي بأن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أبلغه بالضربات قبيل وقوعها.
وقال عبد المهدي: “حاولنا أن نبلغ القيادات الأمنية” مضيفا: “ما حصل كان عدوانا … حاولنا أن نمنعه ولكن للأسف الشديد جرى هذا الأمر”.
وأعلنت الحكومة العراقية الإثنين، أن الضربات الجوية الأمريكية على قواعد فصيل موال لايران مساء الاحد على الحدود العراقية-السورية تدفعها الى “مراجعة العلاقة” مع الولايات المتحدة.
وجاء في بيان للمجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي الذي عقد اجتماعا طارئا لدرس تداعيات الهجوم الذي شنته الطائرات أن “القوات الأمريكية اعتمدت على استنتاجاتها الخاصة وأولوياتها السياسية، وليس الاولويات كما يراها العراق حكومة وشعباً”.
وفي وقت قالت بغداد انها ستستدعي السفير الامريكي، اتّهمت واشنطن الإثنين السلطات العراقية بأنها لم تبذل الجهود اللازمة من أجل “حماية” مصالح الولايات المتحدة.
وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية “حذّرنا الحكومة العراقية مرارا وتشاركنا معها المعلومات لمحاولة العمل معها للاضطلاع بمسؤوليتها عن حمايتنا بصفتنا ضيوفا”.
واشنطن اتّهمت السلطات العراقية بأنها لم تبذل الجهود اللازمة من أجل “حماية” مصالح الولايات المتحدة
ومساء الاحد، شنت القوات الأمريكية سلسلة غارات استهدفت منشآت قيادة وتحكم تابعة لكتائب حزب الله، أحد أبرز الفصائل الموالية لإيران في الحشد الشعبي الذي يعد جزءا من القوات العراقية وتخضع بعض فصائله لهيمنة إيرانية.
وجاء في بيان رسمي الاثنين اصدره مسؤول مديرية الحركات في هيئة الحشد الشعبي جواد كاظم الربيعاوي ان “حصيلة الاعتداء الغاشم على مقرات اللواءين 45 و46 بلغت 25 شهيداً و51 جريحاً”.
وأثارت هذه الضربات موجة جديدة من المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العراق الذي شهدت مدنه الاثنين تظاهرات منددة بواشنطن سرقت الأضواء من الحراك الاحتجاجي الذي تشهده البلاد ضد الطبقة السياسية وإيران.
وفي النجف والبصرة (جنوب) وكركوك (وسط)، تحولت التظاهرات إلى مسيرات منددة بالولايات المتحدة وقام بعض المتظاهرين بحرق العلم الأمريكي.
وأعلنت كتائب حزب الله أنها ستنظّم الثلاثاء تشييعا شعبيا للقتلى في بغداد قرب المنطقة الخضراء حيث مقر السفارة الأمريكية، ما من شأنه أن يتحوّل إلى استعراض قوة.
من جانبها، اعتبرت طهران الإثنين، أن هذه الضربات تكشف “دعم الإرهاب” من قبل واشنطن، خصوصا ان كتائب حزب الله تنتمي الى قوات الحشد الشعبي التي شكلت لمحاربة تنظيم “الدولة” وباتت اليوم جزءا من القوات العراقية.
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي الأحد أن الضربات ضد قواعد حزب الله في العراق وسوريا كانت “ناجحة”، ولم يستبعد خطوات اخرى “إذا لزم الأمر من أجل أن نعمل للدفاع عن النفس وردع الميليشيات او إيران” من ارتكاب اعمال معادية.
من جهته اعتبر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر أن الرد الأمريكي كان “مناسبا”، مؤكدا أن واشنطن لا تسعى الى تصعيد النزاع مع ايران، بل “نريد خفض التصعيد”.
واعتبرت روسيا الاثنين أن تبادل الضربات بين “كتائب حزب الله” والولايات المتحدة في العراق وسوريا “غير مقبول”.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية أن موسكو “تعتبر تبادل الضربات بين كتائب حزب الله والولايات المتحدة في العراق وسوريا غير مقبول ويأتي بنتائج عكسية”، داعية “كل الاطراف الى الامتناع عن اتخاذ اجراءات أخرى يمكن أن تزعزع بقوة استقرار الوضع العسكري والسياسي في العراق وسوريا والدول المجاورة”.
ونددت دمشق بشدة بالغارات الأمريكية، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية قوله إن بلاده “تدين هذا العدوان الأمريكي، وأي عدوان على سيادة واستقلال وحرية العراق والعراقيين”.
في المقابل، رحبت البحرين، حليفة واشنطن في الخليج، بالضربات الأمريكية.
جماعة عصائب أهل الحق: “الوجود الأمريكي صار عبئا”
ورأت جماعة عصائب أهل الحق التي جرى الإعلان مؤخرا عن عقوبات أمريكية بحق قياديين فيها، أنّ “الوجود العسكري الأمريكي صار عبئاً على الدولة العراقية بل صار مصدراً لتهديد واعتداء على قواتنا المسلحة”، مضيفة في بيان: “أصبح لزاماً علينا جميعاً التصدي لإخراجه بكل الطرق المشروعة”.
ودعا النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، المدعوم من تحالف سائرون البرلماني الذي يحظى برعاية رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الحكومة إلى “اتخاذ التدابير اللازمة” لمواجهة الهجمات الأمريكية، الأمر الذي طالبت به أيضا منظمة بدر، أحد أبرز الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
كما ندد العديد من النواب بالاتفاق العراقي- الأمريكي الذي يسمح بوجود قوات أمريكية في البلاد.
واعتبر مكتب آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي الذي يؤدي دورا مؤثرا في المشهد السياسي العراقي، أن “السلطات الرسمية العراقية وحدها معنية بالتعامل مع تلك الممارسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعها، وهي مدعوّة الى ذلك وإلى العمل على عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخل الآخرين في شؤونه الداخلية”.
في بيروت، أعرب حزب الله اللبناني عن استنكاره لما وصفه بـ”عدوان أمريكي وحشي وغادر”، معتبراً أنه “اعتداء سافر على سيادة العراق وأمنه واستقراره وعلى الشعب العراقي”.
وتثير الهجمات على مصالح أمريكية وأخرى على قواعد تابعة لفصائل موالية لطهران، خشية المسؤولين العراقيين الذين يحذرون منذ أشهر من أن يلجأ حليفاهما، الولايات المتحدة وإيران، إلى استخدام الميدان العراقي ساحة مواجهة.
ومنذ 28 تشرين الأول/ أكتوبر، سجّل 11 هجوما على قواعد عسكرية عراقية تضم جنودا أو دبلوماسيين أمريكيين، وصولا الى استهداف السفارة الأمريكية الواقعة في المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا في بغداد.
وأسفرت الهجمات العشرة الاولى عن سقوط قتيل وإصابات عدة في صفوف الجنود العراقيين، إضافة إلى اضرار مادية. غير أنّ هجوم الجمعة مثّل تحوّلا، اذ قُتل فيه متعاقد أمريكي وكانت المرة الأولى التي تسقط فيها 36 قذيفة على قاعدة واحدة يتواجد فيها جنود أمريكيون، وفق مصدر أمريكي.
وتزامنت الضربات الامريكية مع استمرار الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها بغداد وغالبية مدن جنوب البلاد. ويطالب المحتجون بـ”تفكيك النظام” السياسي الذي ارسته الولايات المتحدة بعد غزو العراق عام 2003.
وتعرضت الاحتجاجات منذ انطلاقها في الاول من تشرين الاول/أكتوبر، لقمع واسع أدى إلى مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة نحو 25 ألفا، غالبيتهم العظمى من المتظاهرين.
وتتواصل الاحتجاجات رغم حملة ترهيب واسعة تقودها بحسب الأمم المتحدة “ميليشيات” تقوم بخطف وتهديد واغتيال نشطاء ومتظاهرين. وقالت مصادر بالشرطة إن ناشطا قُتل بالرصاص مساء الاثنين في الناصرية (جنوب).
وكان آخر ما كتبه علي الخفاجي بصفحته على فيسبوك قبل اغتياله: “من أعطى الأمريكيين ذريعة لقتل ابنائنا هو الذي اطلق 30 صاروخا على قاعدتهم”.
وتدفع إيران منذ استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قبل شهر، نحو تسمية خلف له يكون مواليا لها.