نيويورك تايمز: الاحتجاجات الحالية قد تقوي موقف المحافظين ضد الولايات المتحدة
في تقرير مشترك أعدته فرناز فصيحي وديفيد دي كيرباتريك، لصحيفة “نيويورك تايمز”، قالا إن “إيران تتصدع مع زيادة الاحتجاج على إسقاط الطائرة“، وأشارا في البداية إلى طلب قائد عسكري كبير يوم الأحد المغفرة في وقت تعاملت فيه قوات الأمن مع المتظاهرين بطريقة عنيفة. وخرج هؤلاء احتجاجا على إسقاط الطائرة الأوكرانية بطريق الخطأ والتي أدت لزيادة الغضب حتى بين قاعدة الدعم المحافظة للحكومة الإيرانية.
وقالت الصحيفة إن إيران شهدت يومها الثاني من الاحتجاجات بعد إعلان الجيش الإيراني يوم السبت عن إطلاق صاروخ بالخطأ أصاب الطائرة وقتل ركابها الـ 176 شخصا. وجاءت الكارثة الجوية في وقت تواجه فيه إيران مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب مقتل الجنرال قاسم سليماني، أهم قيادي عسكري إيراني، بغارة أمريكية قبل أكثر من أسبوع في العراق.
وأنكرت الحكومة الإيرانية في الأيام الثلاثة الأولى أي علاقة لها بتحطم الطائرة ونسبته إلى عطل فني في وقت تزايدت فيه الاتهامات الدولية أن الطائرة أسقطت بصاروخ. ولهذا ظهرت إيران أنها تحاول التستر على الجريمة، ولهذا تمسكت برواية الخطأ الفني ورفضت التعاون مع المحققين.
وبدأ المحققون الإيرانيون بإزالة بعض الأدلة من مسرح الحادث. ولكن النظام الإيراني اضطر وسط الشجب والدعوات للتحقيق الشفاف إلى الاعتراف بأن الطائرة سقطت بفعل صاروخ أطلق بالخطأ. وأدى اعتراف الحكومة لاحتواء الغضب الدولي ولكنه أشعل علبة الكبريت في داخل البلاد حيث هدأت التظاهرات المعادية للحكومة وتوحد الجميع بعد مقتل الجنرال سليماني وخروج الإيرانيين بأعداد كبيرة للمشاركة في جنازته.
ويرى بعض المحللين أن التظاهرات الحالية قد تقوي المعسكر الداعي للمواجهة مع الولايات المتحدة حيث بدأ بلوم الولايات المتحدة على الكارثة. وكانت الاحتجاجات قد بدأت في طهران ولكنها انتشرت يوم الأحد إلى عدة مدن أخرى في البلاد. وأطلقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع ومن ثم القنابل المطاطية ثم الرصاص الحي على المتظاهرين في طهران. وقال شهود عيان إن عددا من المحتجين أصيبوا بجراح في نهاية يوم من التظاهرات.
على خلاف الاحتجاجات السابقة فقد جاءت الأخيرة من القواعد المحافظة الداعمة تقليديا للنظام بالإضافة لنقاد النظام المعروفين
وعلى خلاف الاحتجاجات السابقة فقد جاءت الأخيرة من القواعد المحافظة الداعمة تقليديا للنظام بالإضافة لنقاد النظام المعروفين. ودعت صحف المعسكر المتشدد إلى عزل المسؤولين عن الكارثة، فيما أصدر قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي اعتذارا نادرا للرأي العام الإيراني. وناشد الإيرانيين في خطاب متلفز العودة إلى الحماسة الوطنية التي ملأت البلاد عقب مقتل سليماني. وردت إيران على مقتله بإطلاق سلسلة من الصواريخ على القواعد العسكرية في العراق ترابط فيها القوات الأمريكية.
وقال سلامي: “لقد حققنا الانتصار” مع أن الهجمات لم تقتل أحدا، ولكنه اعترف قائلا: “إلا أن تحطم الطائرة شوه كل هذا”. وتمنى أنه كان من الذين “سقطوا واحترقوا” في الحادث. وقال رئيس تحرير وكالة الأنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري، كيان عبد الله، إن محاولة المسؤولين الحكوميين الكذب عما حدث للطائرة كان “كارثة” مثل تحطمها. وقال في تغريدة على “تويتر”: “إن المسؤولين الذين ضللوا الإعلام هم مذنبون أيضا” و”نشعر بالخجل أمام الناس”، إلا أن المعلقين استبعدوا أن تكون الكارثة لوقف شهية الإيرانيين للمواجهة مع الغرب.
وفي العادة يشير المتشددون إلى أصابع إيرانية وراء الاحتجاجات والفرحة التي تعتري البيت الأبيض لرؤية الأحداث وهي تتكشف في إيران. وقال الرئيس دونالد ترامب في تغريدة يوم الأحد: “نحن نتابع الاحتجاجات عن قرب وتلهمنا شجاعتكم”.
ويرى علي فائز، مسؤول برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية، أن القادة الإيرانيين الذين اتخذوا إجراءات قاسية ضد المحتجين قد يردون على واشنطن بطريقة سرية أو غير ذلك، وقال: “إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة هم من يغذون ويستغلون السخط الداخلي في إيران” و”ستعود للساحة المريحة لها: هجمات غير مباشرة ضد الولايات المتحدة وحلفائها بطريقة تسمح لها بالإنكار وبأدنى حد من المخاطر والانتقام”.
وفي العام الماضي فرضت إدارة ترامب ما أسمته “أقصى ضغط” بهدف دفع إيران للموافقة على قيود جديدة تتعلق ببرامجها العسكرية والنووية.
وترى الصحيفة أن الصقور في البيت الأبيض لو تعاملوا مع التظاهرات الأخيرة كعلامة على نجاح إستراتيجيتهم فستعمل ضد الإيرانيين الذين يحبذون التسويات مع الولايات المتحدة، وبالتالي تقوية معسكر المتشددين حسبما تقول سنام وكيل من “تشاتام هاوس” في لندن. وقالت: “يرى المحافظون الذين يهمهم الأمن أنهم ليسوا قادرين على الذهاب إلى طاولة المفاوضات لأنهم سيكونون في حالة ضعف”. ومن هنا جاءت مناشدة الجنرال سلامي واعتذاره للإيرانيين ودعوتهم للوحدة في محاولة لتعبئتهم ضد المنافسين للثورة الإسلامية. وقال: “نحن في حرب مع الولايات المتحدة” و”لا نعتبر النزاع منتهيا مع الولايات المتحدة، ونحن جنود الشعب وسنضحي بأنفسنا من أجله”. وتحدث عن الغارات التي لم تقتل أحدا ولكنها أظهرت للعالم قوة إيران.
وتشير الصحيفة إلى أن اعتراف الجيش المتأخر بإسقاط الطائرة جنب طهران العزلة الدولية، وبدأت الحكومات الأوروبية التي حاولت مساعدة طهران أو التوسط بينها وواشنطن بالحديث عن اعتراف الجيش الإيراني ومسؤوليته عن كارثة الطائرة. ووصف رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو -التي كانت بلاده مقصد الطائرة النهائي وخسرت 57 راكبا- الحادثة بأنها “كارثة كندية حقيقية”. وقال في تجمع ليلي لإحياء ذكرى الضحايا بجامعة ألبرتا بإدمنتون: “أريد طمأنة كل العائلات وكل الكنديين: لن نرتاح حتى نحصل على أجوبة” و”لن نرتاح حتى تتحقق العدالة والمحاسبة”.
وكان مجلس سلامة الطيران الكندي أرسل محققين إلى طهران للمشاركة في التحقيق وتحليل البيانات والأصوات. إلا أن حجم التظاهرات التي اندلعت بسبب الكارثة ربما فاجأت المسؤولين. وقامت الحكومة بنشر عناصر الشرطة والميليشيات لمنع يوم ثان من التظاهرات في المدن الإيرانية. وذكر شهود عيان أن عددا من المتظاهرين جرحوا بعد إطلاق الأمن النار عليهم وهم يهربون. وقال آخرون إن عناصر الميليشيات أحاطت بهم وضربتهم.
وحسب المحاسب سيماك قاسمي الذي يعيش في طهران: “تحولت الأحياء المدنية إلى محور أمني وتنتشر القوات الخاصة في كل ساحة”. وأضاف: “يبدو أن المدنيين هم الذين أسقطوا طائرة عسكرية”. ورغم ذلك تجرأ المتظاهرون وخرجوا للشوارع وهتفوا بهتافات ضد المرشد الأعلى: “المرشد الأعلى قاتل ونظامه عفا عليه الزمن”. وهتف آخرون: “عدونا هنا” ونشروا أشرطة فيديو: “لقد كذبوا علينا وقالوا إنها أمريكا”.
ودخل متظاهرون الجامعات لأن معظم الضحايا طلاب تخرجوا حديثا كانوا في طريقهم إلى كندا لمواصلة دراستهم هناك. وهتف الشباب والشابات الذين دخلوا جامعة شيراز: “لقد قتلوا عباقرتنا واستبدلوهم بالملالي”. وأصدر فنانون ومخرجون سينمائيون ومفكرون بيانات شجبوا فيها الطريقة التي أدارت فيها الحكومة ملف الطائرة المتحطمة. وقالت الممثلة تراني علي دوتسي على صفحتها في “إنستغرام”: “نحن لسنا مواطنين ولكن رهائن، ملايين الرهائن”.
وأعلن أحد أعضاء مجلس بلدية طهران عن استقالته احتجاجا على الكذب وخيبة أمله من الإصلاح. وأعلنت حاملة الميدالية الأوليمبية الوحيدة كايما علي زاده عن انشقاقها على النظام. وحاول المسؤولون التغلب على المشاعر الغاضبة بسبب تحطم الطائرة. وتم نزع لوحة إعلانية عليها صورة سليماني واستبدلت بأخرى سوداء تحمل أسماء ضحايا الطائرة. وفي تبريز شوهد بعض المتظاهرين وهم يمزقون صور سليماني.
وقام مسؤولون وقادة الحرس الثوري وغيرهم بزيارة عائلات الضحايا. وحاول آية الله علي خامنئي حرف الغضب نحو أمريكا، ففي زيارة لأمير قطر إلى طهران قال خامنئي على صفحته في الإنترنت إن مشاكل المنطقة “خلقتها أمريكا وأصدقاؤها”.