الاعتداءات الاسرائيلية الامريكية: بلدة “شعفاط” الفلسطينية في أتون خطة ترامب المزعومة للسلام.. أصول قديمة وحاضر مشوّه

يغدو الستيني محمود أبو خضير (أبو فلاح) صباح كل يوم من بيته القديم في بلدة شعفاط (شمال القدس المحتلة) متجها نحو أكبر مساجد البلدة، الذي يتولى إمامته منذ شبابه، وارثا ذلك عن أبيه الشيخ فلاح الذي مات قبل عامين عن عمر جاوز مئة عام، بوصفه أقدم مؤذني مدينة القدس.
لم يرث أبو فلاح مهنة والده فقط، بل ورث أراضي عديدة في بلدة شعفاط، شأنه شأن بقية أفراد حمائل (عشائر) البلدة العربية التي عاشت فيها منذ ثلاثمئة عام خلت، وهي خمس أكبرها عددا حمولة عيسى تليها أبو خضير، فدار محمد العيس، فزيادة، فالمشني عودة الله.
وبالإضافة إلى عشائر شعفاط الأصلية، استقر في البلدة فلسطينيون من أماكن مختلفة، حتى وصل عدد سكانها اليوم إلى أكثر من 25 ألف نسمة.
وكأي فلسطيني شعفاطيّ، توارد لمسمع الإمام تواتر اسم بلدته في ثنايا الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط، المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن”، والتي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الثلاثاء، ولم يُعلّق على ذلك، وابتسم مستهزئا قبل أن يضع كفيه على أذنيه ليرفع أذان الظهر، ولم نعلم هل أغلق أذنيه ليعلو صوته، أم ليكف ترهات الصفقة عنها؟
تبعد شعفاط خمسة كيلومترات غربي باب العامود (أحد أبواب سور القدس)، وتتراءى في أذهان المقدسيين كبلدة وادعة رغيدة العيش، قليلة الاكتظاظ، وقريبة من البلدة القديمة والمسجد الأقصى، لكن إيجارات البيوت فيها مرتفعة نظرا لارتفاع سعر رخصة البناء التي تفرضها بلدية الاحتلال، والتي تقارب ثلاثمئة ألف دولار، وإلا يُهدم البيت في حال عدم الحصول عليها.
يقول أبو خضير إن ساكن شعفاط لا يختار الانتقال لغيرها، لكن بيئتها الوادعة تعكر صفوها اعتداءات المستوطنين القادمين من المستوطنات المقامة على أراضي شعفاط المسلوبة، فيقومون باقتلاع المحاصيل وحرق المركبات وإعطابها، وكتابة شعارات عنصرية على جدرانها، وتعتبر حادثة حرق الطفل محمد أبو خضير حتى الموت عام 2014 أحد أبرز الانتهاكات، بعد أن اختطفه مستوطنون من أمام مسجد شعفاط الرئيسي.
بعد احتلالها عام 1967 صادر الاحتلال أراضي شعفاط وبنى عليها مستوطنات “رامات شلومو” و”رموت” غربا، و”بسجات زئيف” شرقا، والتلة الفرنسية و”جفعات همفتار” من الناحية الجنوبية الشرقية.
ويقول خبير خرائط الاستيطان خليل تفكجي للجزيرة نت إن مساحة شعفاط الأصلية بلغت 5274 دونما، صودر منها 1928 دونما، أي ما يعادل 37% من مساحتها، مضيفا أن مساحة المخطط الهيكلي للبلدة والمصادق عليه من بلدية الاحتلال بلغت 2011 دونما، منها 600 للمناطق الخضراء التي يمنع البناء عليها.
حاولت العصابات الصهيونية عام 1948 احتلال شعفاط ذات الموقع الإستراتيجي؛ فهي البوابة الشمالية القدس، لكن محاولاتها باءت بالفشل بعد استبسال الشعافطة في الدفاع عن بلدتهم، فما استطاعت العصابات وقتها إلا نسف مسجد الأدهمي الأثري وهدم أربعة بيوت، لكن شعفاط وقعت عام 1967 كسائر بلدات شرق القدس من دون أن يهاجر أهلها أو يتركوا بيوتهم.
يؤكد تفكجي أن شعفاط قبل احتلالها لم تكن ضمن حدود البلدية الأردنية كشأن شرق القدس، وإنما كانت مستقلة عبر مجلس قروي مستمر حتى اليوم.
يعني اسم شعفاط التلة المرتفعة؛ فبلدتها القديمة تقع على كتلة صخرية مرتفعة عما حولها، وينسب بعض المؤرخين اسم البلدة إلى “يهوشفاط” أحد قادة جيش النبي داود عليه السلام، الذي دخل بيت المقدس، واستقر قادته فيها.
بالإضافة إلى التلة المرتفعة، تنتشر أراض سهلية من الجهة الشرقية والجنوبية لشعفاط، مما ميّزها عن غيرها من البلدات المقدسية الوعرة، وتتجاور شعفاط مع قريتي بيت حنينا وبيت إكسا ولفتا المهجرة ويفصل بينها وديان.
ويؤكد أستاذ الجغرافيا وأحد وجوه شعفاط نظمي عبد العال عيسى للجزيرة نت أن البدايات البشرية في البلدة تعود إلى العهد البيزنطي قبيل الفتح الإسلامي، حيث اكتشفت فيها مصاطب قصور مزخرفة بيزنطية، وآثار قديمة أخرى في منطقة الراس غربا والقعمة شرقا.
يضيف الأستاذ عيسى أن أهل شعفاط يمتازون بالطيبة والمرونة وحسن الجوار، ويتحدثون اللهجة الفلسطينية الفلاحيّة، كما أنهم عملوا قديما في الزراعة وتربية المواشي، واشتهرت بلدتهم بمحاصيل الزيتون والتين والعنب، إلى جانب القثائيات والبقوليات، التي انتهى أغلبها اليوم بسبب مصادرة الأراضي وتخريب المستوطنين.
في شعفاط اليوم مسجدان رئيسيان، هما: مسجد علي بن أبي طالب ومقام إبراهيم بن أدهم، الذي أعيد بناؤه بعد نسف العصابات الصهيونية له خلال النكبة، كما تحتوي على أربعة مراكز طبية، وثلاث مدارس إعدادية وثانوية قائمة.
وقبل نحو ست سنوات، أقام الاحتلال قطارا خفيفا يمر من بلدة شعفاط بمسار 14 كيلومترا، من مستوطنة “بسجات زئيف” إلى منطقة “جبل هرتسل”. كما أن نفقا في بلدة شعفاط قيد الإنشاء يسعى للوصل بين مستوطنتي “معاليه أدوميم” و”رامات شلومي” لتسهيل ربطهما من دون الحاجة للمرور من شعفاط.
بعد احتلال شعفاط أقيم مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين على أراضيها التي فصلها الجدار العازل عام 2004، كما اقتطع جزءا من تلة شرقي البلدة تسمى براس العناتية أو راس شحادة، واقتطع جزءا كبيرا من أراضي شعفاط الشرقية الجنوبية وأخرجها خارج الجدار. ويعد مخيم شعفاط المخيم الوحيد الواقع داخل حدود ما تسمى”بلدية القدس”.
على مساحة نحو 203 دونمات يتوزع آلاف المقدسيين في مخيم شعفاط، الذي يعاني اكتظاظا سكانيا كبيرا، ويفتقر للبنية التحتية السلمية، ويجثم فوق أراضيه حاجز عسكري يفصل بين المخيم والقدس المحتلة.
وضمن ما تسمى “خطة القدس الكبرى”، فقد خنق الاحتلال مخيم شعفاط بمجموعة من المستوطنات؛ فمستوطنة “عناتوت” جاثمة شرقي المخيم، و”بسجات زئيف” شمالا، و”التلة الفرنسية” جنوباً، و”ريخس شعفاط” في الجهة الغربية.