البلاستيك: مخاطر وأضرار تفوق حدود توقعاتنا
لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن الأضرار البيئية للبلاستيك، وبدأ البعض يعزف عن استخدام أكواب القهوة البلاستيكية والشفاطات البلاستيكية ويطالب المحال بعدم الإفراط في تعبئة المنتجات في مواد من البلاستيك.
لكن قد يغفل من ينظر للطماطم المغلفة بالبلاستيك بأرفف المتاجر كمية هذه المادة المستخدمة في زراعة الطماطم في المقام الأول. فهل مشكلة البلاستيك أكثر انتشارا مما نعتقد؟
يستخدم البلاستيك على نطاق واسع في الزراعة، بما في ذلك لف العلف وتغطية المحاصيل، كما يستخدم في أنابيب الري ونقل الأعلاف والأسمدة. وقد أورد تقرير صادر عن هيئة البيئة والأغذية والزراعة في 2010 أن بريطانيا تنتج سنويا 45 ألف طن من البلاستيك المستخدم في أغراض الزراعة.
ويأتي الرافد الأكبر لاستخدام البلاستيك في الزراعة من الأغطية البلاستيكية المغطية للتربة والتي تحول دون نمو الحشائش الضارة وتزيد امتصاص السماد وتحافظ على حرارة التربة ورطوبتها بما يناسب نمو النبات – وتمثل تلك الأغطية وحدها 40 في المئة من إجمالي سوق البلاستيك في مجال الزراعة.
ويقدر الباحثون أن الغطاء البلاستيكي للتربة يزيد الناتج بنحو الثلث. وقد بدأ استخدام البلاستيك على هذا النحو في الخمسينيات من القرن الماضي وأدى لطفرة في الإنتاج الزراعي.
وفي عام 2019 من المتوقع أن يصل استخدام الغطاء البلاستيكي عالميا في الزراعة إلى 6.7 مليون طن – أي نحو اثنين في المئة من إجمالي ناتج البلاستيك السنوي. وبات هناك مصطلح خاص يشير إلى استخدام البلاستيك في الزراعة وهو ما يعرف بـ “الزراعة البلاستيكية”!
لكن هناك تبعات للانتشار الواسع للغطاء البلاستيكي للتربة، إذ عادة ما يصعب إعادة تدوير البلاستيك المستخدم في المزارع، ويتكلف تدويره مبالغ ضخمة لأن الغطاء البلاستيكي يتلوث ببقايا التربة والمبيدات والسماد، وقد تُشكل تلك البقايا معا 50 في المئة من الوزن الإجمالي للمادة المجمعة لإعادة التدوير، وهو ما يجعل تكلفة إعادة تدويرها باهظة وغير مجدية. وفي حالة عدم تدوير البلاستيك الزراعي، فلا يوجد خيار سوى التخلص منه بحرقه أو دفنه أو إلقائه في المكبات.
ويعرب ماركوس فلوري، أستاذ علوم التربة بجامعة ولاية واشنطن، عن قلقه من آثار تلك الأغطية البلاستيكية على البيئة، فرغم فوائده فإنه يضر بالتركيبة الطبيعية للتربة. وقد أظهر بحث أنه كلما كان الغطاء رقيقا صَعُب رفعه من التربة دون أن يخلف جزيئات بلاستيك دقيقة قد تبقى لعقود. وقد تضعف بقايا البلاستيك الدقيقة خصوبة التربة وتقضي على كائنات صغيرة مفيدة.
ولم يتضح بعد الأثر طويل الأجل الذي قد يخلفه البلاستيك على التربة، ومن ثم على سلسلة الغذاء الذي يستهلكه البشر. وقد بدأت دراسات تبحث في تسلل الجزيئات البلاستيكية الدقيقة إلى سلسلة الغذاء البشري ولجسم الإنسان، ولا يُعرف حتى الآن يقينا كيف تدخل تلك الجزيئات للطعام ولا كيف تؤثر في صحتنا.
ويعتقد فلوري أنه ربما من الأفضل استبدال الأغطية البلاستيكية للتربة بغلاف يتحلل طبيعيا، بحيث لا يتعين رفعه بل يحرث في التربة بانتهاء الحصاد. ويتبنى الاتحاد الأوروبي معايير محددة للغلاف البلاستيكي القابل للتحلل لضمان امتصاص التربة له بعد استخدامه. لكن يبقى التساؤل عن تأثير الغلاف المتحلل هو الآخر على التربة، ويقول فلوري إنها مسألة قيد البحث.
كما قد يُحمّل التحول إلى بدائل بيئية المزارعين تكاليف لا قبل لهم بها، إذ يقول فلوري إن البلاستيك القابل للتحلل أغلى ثلاث مرات تقريبا من بلاستيك البولي إيثيلين العادي في الولايات المتحدة.
ولا يعد البلاستيك القابل للتحلل هو الخيار الوحيد للمزارعين الراغبين في الحد من استخدام البلاستيك، فأغلب الزراعات تبدأ حياتها كشتلات بحاويات بلاستيك صغيرة قبل نقلها للتربة. ولعقود استخدم المزارعون في اليابان حاويات ورقية، وبدلا من نقل الشتلات من الإصيص إلى التربة تباعا يتم الاستعانة بماكينة غرس للشتلات دون تفريغها من الورق بما يختصر ساعات من العمل.
ولا يوفر هذا الوقت فحسب، بل يعد أفضل للبيئة لأن الورق قابل للتحلل في التربة. وفي الآونة الأخيرة، بدأت هذه الممارسة تنتشر خارج اليابان، وتبنتها شركة “سمول فارم ووركس” للاستيراد إلى ولاية ويسكنسن الأمريكية. ولحين تصبح البدائل القابلة للتحلل متوافرة أكثر، سيظل تدوير البلاستيك هو البديل الأفضل، فمازال من الشائع في كثير من مزارع العالم حرق البلاستيك وتلويثه للهواء.
وفي عام 2019، اشتكى المزارعون في ويلز – حيث يُحظر منذ 2005 حرق مخلفات الزراعة من البلاستيك – عدم توافر خيارات أخرى بعد توقف الشركة الوحيدة التي تجمع البلاستيك من المزارع لإعادة تدويره، وكان السبب في توقفها ارتفاع رسوم محطات التدوير، بما حرمها من الربح.
وقد انضوت مجموعة من شركات جمع وإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية للمزارع في بريطانيا تحت مسمى “المشروع البريطاني المسؤول عن البلاستيك الزراعي”، وانطلق المشروع مطلع العام الجاري.
ويقول مارك ويب، مدير شركة “فارم إكس إس”، إحدى الشركات المنضوية ضمن المشروع، إن العمل به لن يستهدف الربح، لكنه يهدف إلى تمكين المزارعين من تسليم مخلفاتهم البلاستيكية لإعادة تدويرها دون تكلفة إضافية. ويسعى المشروع لتوعية المزارعين بسبل الحد من التلوث الناجم عن تلك المخلفات والخروج بتصور أفضل لحجم مخلفات البلاستيك التي يجري جمعها من المزارع وإعادة تدويرها.
وجاء الإعلان عن هذا المشروع في أعقاب انطلاق مشروع شبيه لجمع الأغطية البلاستيكية من المزارع ويحمل اسم “المبادرة الزراعية للبلاستيك والبيئة بالمملكة المتحدة”، والذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. وتتلقى هذه المبادرة التمويل عبر ما تتقاضاه من رسوم تضاف لمشتريات المزارعين من البلاستيك.
ورغم ذلك، يعتقد فلوري أن التحول للمواد القابلة للتحلل – وليس التدوير – هو سبيل حل مشكلة البلاستيك الزراعي، ويقول: “الحل بسيط جدا برأيي، ويتمثل في جعل البلاستيك غير القابل للتحلل أغلى ثمنا أو حظره تماما”.
ويرى مارك ويب، الذي يدير شركة “فارم إكس إس” لإعادة تدوير البلاستيك، أن إعادة التدوير ليس حلا على المدى الطويل، ويقول: “المشكلة الأكبر في بريطانيا هي عدم توافر المنشآت أو القدرات المطلوبة لإعادة تدوير تلك المواد”، مشيرا إلى أن الوضع المثالي يتمثل في إقلال المزارعين من الاعتماد على البلاستيك من أساسه.
ويسعى برايس كاننغهام، مزارع من منطقة ايرشاير باسكتلندا، للحد من الاعتماد على البلاستيك بجعل مزرعته أول مزرعة ألبان بريطانية لا تستخدم البلاستيك المستبدل.
وتمكن كاننغهام من جمع عشرة آلاف جنيه إسترليني استبدل بها القوارير البلاستيكية للحليب بـ 32 ألف قارورة زجاج يدفع الزبائن 20 بنسا مقابل الواحدة منها ويستخدمونها مرارا، ما يذكر بالماضي حين كان الحليب يصل للمنازل في تلك القوارير. كما يسعى كاننغهام لتغطية العلف بالبلاستيك القابل للتحلل وإعادة استخدام الأجولة في تعبئة الكيماويات والعلف.
ويقول كاننغهام إن جهوده حفزت مزارعين آخرين على العمل بنفس الطريقة، ويضيف: “لا يكاد يمضي أسبوع دون أن يتصل بي مزارع يسألني عن نجاح مشروعي أو يريد تفقد المزرعة ليطلع بنفسه على الأمر”.
ورغم أن قضايا البيئة الزراعية تتجاوز البلاستيك – ولا يعد البلاستيك أكثرها إلحاحا – إلا أن كثيرا من المزارعين يمكنهم التخلص منه أو الحد من الاعتماد عليه دون تأثر عمله بشكل كبير.
ويعرب كاننغهام عن أمله في تشجيع الآخرين على الاقتداء به فيما يتعلق بالحد من استخدام البلاستيك في مزارعهم، قائلا: “لا شك أن هناك الكثير مما يمكننا فعله”.