هل يطيح الدعم الحكومي للإعلام الإلكتروني بالصحافة الورقية في الجزائر؟
وأحصت النقابة الوطنية لناشري الصحافة الإلكترونية، وهي هيئة قيد التأسيس، قبل فترة أكثر من 40 ناشرا، يمثلون مواقع عامة وجهوية ومتخصصة في مختلف الميادين.
ولا تملك وزارة الاتصال المعلومات الكافية عن المواقع الإلكترونية، كون أغلبها موطنة ومسجلة في الخارج، كما أن الكثير منها لا ترقى إلى مستوى صحف إلكترونية، بسبب غياب معايير الكتابة الصحفية الإلكترونية وفنيات التحرير على الإنترنت.
لكن المثير أكثر هو أن القطاع الإلكتروني يعاني من غياب قانون خاص حتى الآن، مما كرس نوعا من الفوضى وعدم الاحترافية.
وخصص آخر قانون للإعلام صدر في 2012 فصلا كاملا لتنظيم الإعلام الالكتروني، لكنه اكتفى بالعموميات والمفاهيم، مما جعل وزارة الاتصال تعلن في 2016 التحضير لمشروع قانون تطبيقي، من دون أن يرى النور إلى اليوم.
فراغ وحواجز
وبهذا الصدد، قال مدير موقع “سبْق برس”، محمد رابح، إن الفراغ في قانون 2012 خلّف حواجز أمام الناشرين الإلكترونيين، وظهر ذلك على مستوى التعامل معها من قبل جهات رسمية.
ويعتقد أن الأمر كان سياسة ممنهجة، مما تسبب في الخلط السائد بين المواطن الصحفي والمؤسسات الإعلامية، وما أفرزه من انتشار الشائعات واستغلال منصات رقمية لأغراض تتنافى أحيانا مع مهمة الصحفي.
وأوضح رابح أن قرار الرئيس تبون محل إشادة، كونه تصحيحا لاختلالات قائمة، في انتظار أن تتضح طبيعة الترسانة القانونية لتنظيم القطاع.
غير أنه أكد وجود إشكاليات أخرى تتعلق بالحق في الاستفادة من الإشهار العمومي، ناهيك عن مشكلة تدفق الإنترنت التي تصعب من تقديم خدمات ذات جودة وتعقد صعوبة التصفح على القراء.
وأضاف أن تكريس الدفع الإلكتروني سيكون عامل قوة للصحافة الإلكترونية، سواء في البعد التجاري أو الاستقلالية، وطالما هذه الخدمة متأخرة في الجزائر، فإن ذلك سيؤثر سلبا على واقع المؤسسات الرقمية، وفق تعبيره.
بلام: واقع الصحافة الإلكترونية في الجزائر كارثي (الجزيرة) |
تدابير ميدانية
من جهته، وصف مدير الموقع الالكتروني “أوراس”، عبد الوكيل بلام، واقع الصحافة الإلكترونية بالجزائر بالكارثي، في ظل حالة الفوضى التي تطغى عليه بسبب عدم وجود آليات واضحة تؤطره.
وقال إن الفراغ القانوني حد من قدرة المنتسبين للصحافة الإلكترونية على أداء مهامهم، كما فتح الباب واسعا لتأسيس مواقع تسيء للمهنة أكثر مما تنفعها، فضلا عن ممارسة أصحابها للابتزاز وغيرها من المظاهر الدخيلة.
لكن هذا لا يمنع -يضيف بلام- من الإشارة إلى الدور الذي لعبته المواقع في نقل الصورة الحقيقية لما يحدث بالجزائر، على غرار الحراك الذي اختفى من الشاشات والفضائيات.
ويوحي قرار الرئيس تبون بتنظيم القطاع الإلكتروني بوجود إرادة سياسية لتحسينه وتطويره، وإدراك أن مستقبل الإعلام يكمن في الصحافة الرقمية، وفق بلام.
وشدد على آليات التطبيق وفتح مشاورات مع الفاعلين والخبراء لتفادي أي هفوات تقع، لأن القانون وحده غير كاف لنقل الجزائر إلى مراتب الحرية والاحترافية، ما لم يُرفق بتدابير ميدانية، تدعم الصحفي وتحميه من التعسف الإداري، ومن مختلف أشكال الضغط.
موت بطيء
من جهة أخرى، فقد جاءت دعوة الرئيس تبون في وقت تموت فيه الصحافة الورقية موتا بطيئا، ليس فقط بسبب التحولات العالمية، بل لأسباب داخلية ناجمة عن تداعيات الأزمة المالية.
وتؤكد الأرقام الرسمية اختفاء 60 صحيفة بين يومية وأسبوعية منذ 2014، كما أن العائدات الإشهارية العمومية تراجعت بأكثر من 60%، ناهيك عن تراجع السحب ما بين 40 و60% لكل العناوين.
وأضحت الصحافة الرقمية الوسيلة الأولى للوصول للخبر بالنسبة الجزائريين منذ إطلاق خدمة الجيل الرابع في 2016 وارتباط 20 مليون منهم بالإنترنت، وهو ما طرح التساؤل لدى المراقبين حول مصير الصحف المكتوبة وإمكانية حمايتها من الاندثار الكامل.
واعتبر الإعلامي ومقرر لجنة الإعلام والثقافة بالبرلمان سابقا، إبراهيم قارعلي، أن الصحافة المكتوبة سادتها فوضى عارمة خلال السنوات العشرين الماضية، حتى أصبحت تحت قبضة المال السياسي الفاسد ومنتحلي الصفة من رجال الأعمال المزيفين.
وأضاف أن الصحف الورقية تحولت إلى آلة لتبييض المال والتهرب الضريبي، بسبب وضع القانون في الثلاجة لأكثر من ثماني سنوات، متوقعا ألا تصمد لأكثر من عشر سنوات قادمة.
التحرير والتطهير
وعن مصيرها المستقبلي، استبعد قارعلي تخلي الدولة عن حمايتها، لكنه تساءل عن مدى استمرارية دعم السلطات للصحافة المكتوبة في الوقت الذي تغير سلوك القارئ نحو الرقمنة والعالم الإلكتروني، وعقّب بالقول “إن الصحفي الذي يشتغل في الصحيفة نفسه لم يعد يُدخلها إلى البيت، وحتى في قاعة التحرير فهو يتصفحها على الحاسوب، بل على شاشة هاتفه الذكي”.
غير أنه أكد ضرورة تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، لأنها ستحميها من منتحلي الصفة، وهو ما يسمح بتحريرها وتطهيرها من الدخلاء.
من جهته، قال مدير صحيفة “الصوت الآخر”، محمد عماري، إن قضية الإشهار العمومي والتوزيع من أكبر مشكلات الصحافة الورقية في الجزائر.
ودعا الحكومة إلى وضع أسس مهنية عادلة لحل المسألة مثلما تعهد الرئيس تبون بذلك.
وأوضح أن السلطات يمكنها المساهمة في إنقاذ مئات الوظائف بالصحافة المكتوبة من خلال المساعدة على إحياء المؤسسة العمومية لتوزيع الصحافة، حيث إن عددا كبيرا من العناوين لا يصل حاليا إلى القراء لأسباب مالية أو تقنية، مما يضر بمستوى المقروئية.