عن فيروس كورونا بين السياسة والعلم
محمد صالح الفتيح*
لا يزال هناك الكثير من نظريات المؤامرة التي تحيط بأصل فيروس كورونا بالرغم من أن الفيروس بات وباءً عالمياً وينتشر بوتيرة متسارعة الآن في الغرب مع تراجع ملحوظ في انتشاره في الصين. ذكرت في منشور سابق أن طبيعة هذا الوباء كانت متوقعة منذ سنوات والآن بناء على طلب صديقين عزيزين أشارك بعض المعلومات الإضافية. منذ ظهور وباء “سارس” أواخر العام 2002، نشر العديد من المقالات الأكاديمية حول خطر الفيروسات التي يمكن أن تنتقل من بعض الحيوانات إلى البشر، خصوصاً من الخفافيش. ونظراً لحساسية المسألة، مع تنامي التحيز ضد المواطنين الأسيويين، سأشير هنا إلى المقالات الأكاديمية التي شابك بها الباحثون الصينيون أنفسهم، خصوصاً من معهد ووهان لأبحاث الفيروسات.
هناك مثلاً دراسة تعود للعام 2007 وأهميتها أنها ترصد وتحلل عدداً كبيراً من الدراسات السابقة حول انتشار فيروس سارس وعائلة فيروسات كورونا لدى الحيوانات. خصوصاً لدى الخفافيش في الصين والتي تتميز بامتلاكها الأجسام المضادة لهذه الفيروسات مما يحول دون تأثرها بها. ومن المناطق الصينية التي سجل فيها انتشار هذه الأنواع من الخفافيش هو إقليم هوبي Hubei، وعاصمته مدينة ووهان. وتختم تلك الدراسة بالتحذير من وجود احتمال متزايد لانتقال أنماط من هذه الفيروسات (فيروس سارس، وعائلة فيروسات كورونا) من الحيوانات إلى البشر خصوصاً مع ازدياد الاتصال بين البشر والحيوانات البرية مما يمكن أن يقود إلى تفشي الأوبئة.
دراسة أخرى من العام 2015، وهي دراسة تجريبية مخبرية، وشارك بها باحثون من معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، تصف الخطر المقبل بشكل أكثر وضوحاً. إذ أشارت إلى أن بعض الفيروسات من عائلة فيروس كورونا والتي تنتشر لدى الخفافيش (التي تحملها بدون أن تتأذى منها) لا تتأثر باللقاحات المتوفرة حالياً ولا يملك البشر الأجسام المضادة القادرة على التعامل معها، بحسب التجارب المخبرية التي تم تنفيذها، وأن هناك احتمالاً كبيراً لانتقالها للبشر من الخفافيش من دون الحاجة لوسيط.
كل هذه التحذيرات العلمية ليست بالحديثة ولكن لم يحصل حتى الآن تحرك منهجي يوقف التجارة بالحيوانات البرية التي تستخدم في بعض الأطباق التقليدية الصينية. هذه الأطباق لم تعد كما كانت منذ عدة قرون طعام الفقراء بل باتت اليوم أحد مظاهر الرفاهية لمن يستطيع الحصول عليها (لنتذكر هنا الملامح الراقية لمدينة ووهان التي انتشر فيها المرض). ولهذا لم يتم المساس بها وطالما وجهت انتقادات دولية لتساهل الحكومة الصينية مع عمليات تهريب الحيوانات البرية من دول أخرى إليها، سواء بغرض استخدامها كطعام أو في الطب التقليدي الصيني. كل هذه التفاصيل تؤكد أيضاً أن احتمال عودة انتشار وباء كورونا الحالي في الصين هو احتمال مرتفع جداً. الصين من جانبها لا تزال منشغلة بالمناكفات مع إدارة ترامب وبالترويج لانتصار تم تحقيقه في وجه حرب بيولوجية شنت عليها.
الاهتمام والمتابعة اللذان فرضهما قسراً فيروس كورونا على الجمهور – الذي بات يدرك لأول مرة أن حقيقة ما يحصل في أقصى أركان الأرض يمكن أن يؤثر عليه – يجب أن يكونا فرصة للتخلي عن الكثير من الخرافات وتصديق أقوال السياسيين الفاشلين واللجوء إلى العلم والعلم فقط، وتكذيب ما سواه.
الدراسة الأولى (الصور المأخوذة منها عليها رقم 1)
“A review of studies on animal reservoirs of the SARS coronavirus” published in Virus Research journal (2007)
الدراسة الثانية (الصورة المأخوذة منها عليها رقم 2)
“A SARS-like cluster of circulating bat coronaviruses shows potential for human emergence” published in Nature Medicine journal(2015).
ق