خمس استراتيجيات أثبتت نجاحا في احتواء الوباء
ينتشر فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، ما أثار الذعر في كل مكان، حيث يتم الإعلان عن آلاف الإصابات الجديدة، ومئات الوفيات كل يوم.
وتعيش مدن عدة، بل ودول بأكملها، حالة إغلاق تام وألغيت الرحلات الجوية والأحداث الدولية والمهرجانات السنوية.
وأصبحت أوروبا البؤرة الجديدة للمرض، بينما في أماكن أخرى، في أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة والشرق الأوسط، يزداد معدل الإصابة يوميا.
لكن يبدو أن بعض البلدان تمكنت، من احتواء الانتشار المفاجئ للفيروس، الذي قتل حتى 23 مارس/ آذار الجاري حوالي 15 ألف شخص، وأصاب أكثر من 340 ألفا آخرين، في جميع أنحاء العالم.
العديد من الدول الآسيوية، على الرغم من قربها الجغرافي من الصين، حيث بدأ المرض، تقود الطريق في كبح معدل الإصابة بفيروس كوفيد 19.
وقال عالم الأوبئة تولبرت نينسوا، الأستاذ بجامعة جون هوبكنز الأمريكية، لبي بي سي: “هناك دول تمكنت من اتخاذ إجراءات لاحتواء تفشي المرض، وأعتقد أننا يجب أن نتعلم منها”.
وأضاف: “أنا لا أتحدث فقط عن الصين، حيث انخفض عدد الحالات بعد تطبيق إجراءات شديدة القسوة، قد لا تجدها الدول الديمقراطية الأخرى سهلة التنفيذ”.
وأشار نينسوا إلى أن تايوان المجاورة للصين، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 23.6 مليون نسمة، سجلت 195 حالة إصابة بفيروس كورونا، وحالتي وفاة فقط حتى 23 مارس/ آذار الجاري.
بينما سجلت هونغ كونغ، التي يبلغ عدد سكانها 7.5 مليون نسمة وتتشارك حدودا برية مع الصين، 155 حالة إصابة مؤكدة، وأربع وفيات خلال أكثر من شهرين، لكن الإصابات تزايدت مرة أخرى خلال الأسبوع الماضي، وتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الإضافية.
أما اليابان، التي يبلغ عدد سكانها نحو 120 مليون نسمة، فقد سجلت 1100 حالة إصابة، وسجلت كوريا الجنوبية نحو 9 آلاف إصابة، لكن معدل الإصابة والوفيات انخفض كثيرا خلال الأسابيع الأخيرة.
ووفقا لنينسوا، نجحت هذه البلدان في إدارة انتشار الفيروس، لأنها تصرفت بسرعة وطبقت سياسات مبتكرة.
فيما يلي أكثر تلك السياسات فعالية:
- اختبر واختبر ثم اختبر مرة أخرى
تتفق منظمة الصحة العالمية والخبراء، الذين استشارتهم بي بي سي، على أن التشخيص المبكر عامل أساسي في احتواء انتشار الوباء.
يقول نينسوا: “لا يمكنك معرفة التأثير الحقيقي للفيروس، أو اتخاذ الإجراء المناسب إذا كنت لا تعرف عدد الأشخاص المصابين”.
وتتفق كريس جونسون، أستاذ علم الأوبئة في جامعة تمبل الأمريكية، مع هذا الرأي.
وتقول إن هذا هو ما أحدث فارقا حقيقيا في احتواء الفيروس، فقد شهدت الدول التي اعتمدت على الاختبار انخفاض عدد الحالات الجديدة، بينما شهدت الدول التي لم يتم فيها إجراء الاختبار ارتفاعا حادا في عدد الحالات.
وأضافت لبي.بي.سي: ” تختبر كوريا الجنوبية نحو عشرة آلاف شخص يوميا، ما يعني أنها اختبرت خلال يومين عدد أشخاص، أكثر من الذين اختبرتهم الولايات المتحدة خلال ما يزيد عن شهر”.
ويقول المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن اختبار أي شخص يعاني من الأعراض هو “مفتاح لوقف انتشار” الوباء.
وقال في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا: “لدينا رسالة بسيطة إلى جميع البلدان: اختبر، اختبر، اختبر. يجب أن تكون جميع الدول قادرة، على اختبار جميع الحالات المشتبه فيها. لا يمكنهم محاربة هذا الوباء وهم معصوبو الأعين”.
وحذر أيضا من اختبار الأشخاص الذين يعانون من أعراض شديدة فقط، فالبيانات الناتجة حينئذ لن تكون موثوقة لإنشاء إحصاءات، وتشجع تلك الممارسة أولئك الذين يعانون من أعراض أكثر اعتدالا على الاستمرار في نشر الفيروس.
2- عزل المصابين
تقول البروفيسور كريس جونسون: “قامت كوريا الجنوبية والصين بعمل ممتاز، في تتبع واختبار واحتواء مواطنيها”.
لا تقوم الاختبارات بعزل المرضى، ومنع الفيروس من الانتشار فحسب، بل تساعد أيضا في اكتشاف الحالات الجديدة المحتملة، التي قد تكون في المراحل المبكرة وبالتالي بدون أعراض، حسب البروفيسور كريس.
وبحسب كريس جونسون، كانت السلطات الصينية “شديدة اليقظة”، في الكشف عن الحالات الجديدة المحتملة، ما قد يكون أحد الأسباب وراء الانخفاض الكبير في الإصابات المسجلة.
وتقول: “يتم إرسال الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في درجة الحرارة إلى عيادات الحمى، واختبار إصابتهم بالأنفلونزا أو كوفيد 19. إذا كانت نتائج اختبارهم إيجابية للفيروس، فسيتم عزلهم في ما يطلق عليه فنادق الحجر الصحي، لتجنب إصابة عائلاتهم”.
اتبعت تايوان وسنغافورة وهونغ كونغ نهجا مختلفا: عزل الحالات المشتبه بها في المنزل، وفرض غرامات تزيد عن 3 آلاف دولار على من خالفوا القواعد.
لكن في كلتا الحالتين، وفقا لـ نينسواه، كان مفتاح هذه الاستراتيجية هو اكتشاف وتتبع العدوى المحتملة.
ويقول إنه في تايوان وسنغافورة كانت هناك استراتيجيات معمول بها، للكشف عن الأشخاص الذين كانوا على اتصال بالمرضى، ابتداء من مقابلة المصابين إلى فحص الكاميرات الأمنية أو سجلات النقل.
ويضيف: “في 12 مارس/ آذار الجاري، كان لدى هونغ كونغ 445 حالة مشتبه فيها، لكنها أجرت 14900 اختبار، على جميع الأشخاص الذين كانوا على اتصال بهؤلاء المصابين، للكشف عن العدوى المحتملة، وجاءت اختبارات 19 منهم إيجابية”.
3- الاستعداد والتصرف السريع
يقول نينسوا، الذي عمل سابقا في منع انتشار فيروس إيبولا في غرب أفريقيا، إن أحد العناصر الأساسية لاحتواء الفيروس هو التصرف بسرعة، قبل أن تنتقل العدوى إلى السكان.
ويقول: “أظهرت دول، مثل تايوان وسنغافورة، أن الإجراء السريع للكشف عن الحالات الجديدة وعزلها يمكن أن يكون عاملا حاسما، في احتواء الانتشار”.
ويقول تقرير حديث، نشرته مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، إن نجاح تايوان يرجع جزئيا أيضا إلى حقيقة، أن الجزيرة قد استعدت من قبل لمثل هذا الاحتمال، وأنشأت مركزا للتحكم في الأوبئة، في وقت مبكر من عام 2003.
تم إنشاء ذلك المركز، الذى يضم العديد من الجهات البحثية والوكالات الحكومية، بعد أزمة وباء سارس، وأجريت منذ ذلك الحين العديد من التدريبات والدراسات.
وحتى قبل تأكيد انتقال الفيروس من شخص لآخر، في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأت تايوان بالفعل في فحص جميع الركاب، القادمين من مدينة ووهان الصينية، حيث بدأ تفشي المرض.
وبدأت هونغ كونغ في تفعيل محطات للكشف عن درجة الحرارة، في نقاط الدخول إلى أراضيها، منذ 3 يناير/ كانون الثاني، ثم فرضت حجرا صحيا لمدة 14 يوما للسياح القادمين إلى البلد، في حين تم توجيه الأطباء للإبلاغ عن أي مريض، يعاني من الحمى أو أعراض تنفسية حادة، وتاريخ السفر الأخير إلى منطقة ووهان.
يقول نينسواه: “مرة أخرى، كان عامل الوقت حاسما”.
4- التباعد الاجتماعي
يقول نينسوا: “بمجرد أن يدخل المرض إلى بلدك بالفعل، لن تصبح إجراءات الاحتواء صالحة”.
بحلول ذلك الوقت، فإن الطريقة الأكثر فعالية لحماية السكان هي تنفيذ التباعد الاجتماعي بسرعة، كما هو متبع بوضوح في هونغ كونغ وتايوان.
طلبت سلطات هونغ كونغ من الناس العمل من المنزل، وأغلقت المدارس وألغت جميع المناسبات الاجتماعية، بحلول أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي.
وقررت سنغافورة إبقاء المدارس مفتوحة، لكنها أجرت اختبارات وراقبت الطلاب وهيئة التدريس بشكل يومي.
5- تعزيز تدابير النظافة الشخصية
تقول منظمة الصحة العالمية إن غسل اليدين بانتظام، والنظافة الشخصية أمران ضروريان لتجنب العدوى.
ويقول نينسوا: “تعلمت العديد من الدول الآسيوية، من تجربة سارس في عام 2003. هذه الدول تعرف أن النظافة ستقي الناس من المرض، وتمنعهم من إصابة الآخرين”.
في دول مثل سنغافورة وتايوان وهونغ كونغ، توجد محطات بها مواد مضادة للبكتيريا في الشوارع، كما أن الاستخدام المنتظم لأقنعة الوجه منتشر على نطاق واسع.
وعلى الرغم من أن أقنعة الوجه قد لا تكون دائما فعالة، في وقاية مرتديها من الإصابة بالمرض، إلا أنها تقلل من خطر انتقال العدوى، من خلال السعال والعطس.