بعد موت سيدة بخلطة المطهرات.. المصريون بين خطر كورونا وفوضى الوصفات
بعدما أثار فيروس كورونا الذعر في مصر، شأنها شأن معظم دول العالم؛ جاء خبر وفاة ربة منزل أثناء محاولتها إعداد مادة مطهرة ومعقمة في المنزل، ليضيف سببا آخر للذعر والانزعاج.
السيدة -التي تقيم بمنطقة أوسيم في محافظة الجيزة- لم تتمكن ككثير من المصريين من شراء المعقمات، إما لاختفائها من الأسواق أو لارتفاع أسعارها، وقررت أن تتبع إحدى الوصفات لتصنع مادة تطهر بها المنزل، مستخدمة خليطا من الكلور والخل والمياه وحمض الكبريتيك.
لكن التجربة تسببت في انطلاق غاز سام تأثر به أفراد الأسرة (الزوج والزوجة والأبناء الثلاثة) وغابوا عن الوعي فترة من الوقت، في حين غابت السيدة عن الوعي ولم تعد، حيث فاضت روحها متأثرة باستنشاق الغاز السام.
الحادثة المؤلمة لفتت الأنظار إلى ما تعانيه مصر من نقص في المواد المطهرة والمعقمة، التي زاد الإقبال عليها بعد توالي الأنباء عن مئات الإصابات بفيروس كورونا، فضلا عن عشرات الوفيات، وهو أمر لم يمنع السلطة المصرية من الإعلان عن إرسالها مساعدات طبية -شملت كمامات- إلى إيطاليا؛ لتجلب على نفسها انتقادات كثيرة على مواقع التواصل من مدونين استغربوا هذا التصرف، في وقت يعاني فيه المصريون من أجل الحصول على هذه المستلزمات، إن كانت موجودة.
لكن الحادثة لفتت أيضا إلى جانب آخر هو فوضى المعلومات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبحث عن زيادة عدد متابعيها وزوارها، حسب ما يقول للجزيرة نت خبير مواقع التواصل محمود سامي، الذي عبّر عن دهشته من كم المعلومات التي فاضت بها صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الصغيرة، وقنوات يوتيوب؛ عن كيفية الوقاية من فيروس كورونا.
ويضيف سامي -وهو صاحب شركة لإدارة محتوى “السوشيال ميديا”- إن هذه المواقع التي تسعى إلى جذب المتصفحين عرضت الكثير من الوصفات العشوائية والمتناقضة لتعقيم المنازل، استغلالا لحالة الهلع التي انتابت المواطنين خوفا من الإصابة بفيروس كورونا.
ورغم تحذيرات المتخصصين من خطورة هذه الخلطات، ونصحهم بأن الكلور المخفف بالماء يكفي وحده، فإن صدى الصفحات وانتشارها لدى المصريين –بسبب كثرة مشاركة المنشورات- كان أكثر من كلام أصحاب التخصص والمعلومات الموثقة، حسب سامي.
وصفات خطرة
من جانبه، يحذر اختصاصي علم وتكنولوجيا الغذاء عادل عبد الرحيم بشدة من خطورة الرسائل المتداولة على مجموعات واتساب وفيسبوك، التي تنصح بوصفات غير علمية، منها خلط الكلور والملح والخل أو ملح الليمون، ويقول إنها قد تقود للوفاة الفورية نتيجة غازات سامة تخرج عن تفاعل تلك المواد معا.
وأكد عبد الرحيم للجزيرة نت أن الكلور المخفف بالماء كاف تماما لتعقيم الأسطح والأرضيات للوقاية من فيروس كورونا، وأي فيروس آخر.
وأشار عبد الرحيم إلى التحذير المبكر الذي أطلقه مركز السموم في كلية الطب جامعة الإسكندرية من خلط عدة أنواع من المنظفات التي تم تداولها على وسائل التواصل، التي قد تنتج عنها غازات سامة مميتة، وتسبب ألما والتهابا واحتقانا للمجرى التنفسي وصعوبة في التنفس، فضلا عن احتقان في العين والأغشية المبطنة للأنف والفم، مما قد يستدعى وضع المريض على جهاز تنفس صناعي.
التسبب في العمى
أما عضو لجنة قطاع الدراسات الصيدلية بالمجلس الأعلى للجامعات محيي حافظ فيتطرق إلى مستحضر آخر تم رصد تداوله بالأسواق مؤخرا كمطهر رغم خطورته الكبيرة، وهو الكحول الميثيلي، الذي تدخل فيه مادة الميثانول، وليس الإيثانول، والذي يدخل في صناعة الكحول الإيثيلي المعروف.
فالميثانول –حسب تصريحات صحفية لحافظ- يسبب عمى وتقرحات وأرتكاريا للجلد، كأن تضع ماء نار على جلدك بالطبع ستؤذيه وتعمل على تآكل الجلد، مشبهًا مروجي المستحضر بمن يضعون السم في حليب الأطفال، فهو قتل مع سبق الإصرار، وجريمة تسبب عاهة مستديمة، ولا مناص من أن يحال هؤلاء إلى المحكمة الجنائية على الفور وتتم محاكمتهم.
تضاعف أسعار
يذكر أن الأجهزة الرقابية ضبطت عددا كبيرا من المصانع والمستودعات والورش التي يتم فيها تصنيع مطهرات ومستلزمات طبية مغشوشة لطرحها للبيع للجمهور، منتهزين فرصة تعطش السوق للمطهرات والمستحضرات الطبية، منذ بدء انتشار فيروس كوفيد-19، وتباع بما يصل إلى خمسة أضعاف الثمن الأصلي.
بل إن وزارة الصحة حذرت المواطنين من استغلال البعض اسمها بزعم تبعيتهم للوزارة، وأُرسلوا لتعقيم المنازل بمقابل مالي، وأكدت الوزارة أنها لا توجه أي فرق وقائية داخل المنازل.
وبادرت وزارة التموين والتجارة الداخلية بطرح منتجات شركة تابعة لقطاع الأعمال الحكومي من الكحول الإيثيلي، والكولونيا التي تحوي نسبا كبيرة من الكحول، بل وطرحتها للمواطنين على بطاقات التموين.
طلب إحاطة
من ناحية أخرى، تقدمت نائبة برلمانية بطلب إحاطة موجه لرئيس الوزراء، ووزيري الصحة والداخلية حول رواج سوق الأدوات والمستحضرات الطبية والمطهرات المغشوشة.
وقالت النائبة أنيسة حسونة –في طلب الإحاطة- إن عملية الغش اجتاحت بعض المناطق، خاصة المحلات التجارية التي تعمل على إعادة تدوير كميّات من المنظفات وبيعها مرة ثانية داخل الأسواق بعدما انتهت صلاحيتها.
وأكدت أن نقص المطهرات في الصيدليات خلق سوقا سوداء لها، مع رفع أسعارها ثلاثة أضعاف السعر الحقيقي؛ مشددة على ضرورة تطوير آليات وقدرات أجهزة الدولة المعنية بمراقبة سوق الأدوات الطبية ذات الصلة بالوقاية من فيروس كورونا، وضبط المخالفين
حروق جلدية
على صعيد آخر، شكا مواطنون تحدثت إليهم الجزيرة نت من إصابتهم بالتهابات جلدية شديدة، خاصة في الأيدي، وكذلك التهابات شديدة الألم في العيون بسبب استخدامهم مادة الكلور في التعقيم؛ رغم شرائهم تلك المادة من أماكن يفترض أنها متخصصة ومضمونة، على حد قولهم.
ويرى اختصاصي الأمراض الجلدية والتناسلية رشاد إبراهيم مصطفى أن هؤلاء المواطنين ربما يكونون تعرضوا لمعلومات خاطئة منتشرة لاستخدام الكلور في التطهير، فلا يجب استخدامه لتطهير اليدين أو الوجه، بل لا يتم استخدامه من دون ارتداء قفازات واقية.
النسب الآمنة
ونصح مصطفى –في حوار مع الجزيرة نت- المواطنين بضرورة تخفيف الكلور بالماء (بنسبة 1 إلى 9 مقادير ماء) من دون إضافة أي مادة أخرى كالخل، بل ولا يوضع في زجاجات رشاشة (البخاخ)، ولا يحاولون رشه بالجو؛ ولكن يستخدم فقط في تنظيف أرضيات دورات المياه والحمامات ونعال الأحذية.
كذلك يجب التعامل بحذر مع الكحول الذي يستخدمه البعض للتعقيم وتطهير الأسطح والمباني، حيث يسبب هو الآخر –نتيجة المواد الكاوية الداخلة في تركيبه- حروقا بالجسم وتآكلا وتلفا للجلد، ولا ينبغي استخدامه إلا في أضيق الحدود، على حد قول مصطفى.
وكانت مصر أقرت حظرا للتجول الليلي للمواطنين على الطرق العامة يبدأ من السابعة مساء إلى السادسة صباحا بتوقيت القاهرة، بدءا من الأربعاء 25 مارس/آذار الجاري، ولمدة 15 يوما؛ لمواجهة تفشي فيروس كورونا داخل البلاد.