أزمة غذاء عالمية وعربية تطال الفقراء بسبب كورونا.. ما خطة المواجهة
مع تصاعد أحداث أزمة كورونا، ثمة شريحة أخرى من سكان العالم قدلا يُسمع صوتهم، كونهم بعيدون عن دوائر اتخاذ القرار، ووقوعهمتحت تأثير الحروب أو التغيرات المناخية، وهم من يعانون من انعدامالأمن الغذائي الحاد.
هؤلاء لفت النظر إليهم تحذير برنامج الغذاء العالمي الصادر خلال الأيامالقليلة الماضية، والذي توقع أن تؤدي أزمة كورونا إلى زيادة أعدادهم من135 مليون إنسان في عام 2019، إلى 265 مليونا بنهاية 2020.
وتتركز أزمة من يعانون من انعدام الأمن الغذائي –بحالة متوسطة أوحادة- في عشر دول على مستوى العالم، من بينها ثلاث دول عربية هي:اليمن وسوريا والسودان، وخارج المنطقة العربية تشمل القائمة دول:افغانستان وجنوب السودان وفنزويلا وإثيوبيا ونيجيريا وهايتي.
وبحسب بيانات برنامج الغذاء العالمي، فإن هناك 821 مليون إنسانيعانون من الجوع على مستوى العالم، منهم 135 مليونا يعانون منالجوع الشديد أو الفقر المدقع، ويعمل برنامج الغذاء العالمي على ايصالمساعداته لنحو 100 مليون شخص فقط، منهم 30 مليونا يرتبط بقاؤهمعلى قيد الحياة بما يحصلون عليه من مساعدات البرنامج.
ومن مآسي حضارة القرن الحادي والعشرين، أن يذكّر برنامج الغذاء بأنهناك نحو 300 ألف فرد معرضون للموت جوعا خلال الشهور الثلاثةالقادمة، وأن شبح المجاعة قد يهدد ما يصل إلى نحو 30 دولة في ظلجائحة كورونا.
ولذلك يطلب البرنامج دعما بنحو 1.9 مليار دولار للقيام بمهامه، في ظلتطورات أزمة كورونا وما ينتج عنها من ازدياد أعداد من يعانون منالجوع.
الأزمة عربيا
تقرير حديث لمنظمة أسكوا أشار إلى أن التداعيات السلبية لأزمةكورونا سوف تضيف نحو 8.3 ملايين شخص لعدد الفقراء، ليصبحإجمالي عدد الفقراء في المنطقة العربية 101.4 مليون فرد، أي ما يمثلنسبة 24.3% من إجمال عدد السكان البالغ 415 مليونا في 2018.
أما عن تداعيات كورونا على وضع الغذاء، فيشير تقرير أسكوا إلى أنالأزمة سوف تضيف نحو 1.9 مليون فرد لمن يعانون من نقص الغذاء فيالعالم العربي، علما بأن عددهم قبل كورونا كان بحدود 50 مليونا، أيما يمثل نسبة 12% من إجمالي عدد السكان في 2018.
ومن بين من يعانون من نقص الغذاء في المنطقة العربية، يوجد 16 مليونا يعانون من إنعدام الأمن الغذائي بدرجة تتراوح ما بين متوسطةوحادة.
وثمة أمر مهم يتعلق بأوضاع الغذاء في المنطقة العربية، حيث تظهرالبيانات أن المنطقة تعتمد على الاستيراد بنسبة كبيرة لتوفير الغذاء،وتبلغ فاتورة الغذاء عربيا 110 مليارات دولار سنويا، وهو ما يعادل نسبة4% من الناتج المحلي العربي.
ويتطلب الأمر –في ظل أزمة كورونا وما يكتنف أوضاع الغذاء من مخاطرعلى مستوى العالم- أن يعاد النظر في السلوك الغذائي بالمنطقة العربية،حيث يقع هدر غذائي يقدر بنحو 60 مليار دولار سنويا، ولو تم ترشيدهذا الهدر بنحو 50%، فسيؤدي ذلك إلى زيادة في دخل الأسر بما يعادل20 مليار دولار.
الأسباب عالميا وعربيا
لا شك أن ما تضمنه تحذير برنامج الغذاء العالمي يحمل رسائلإنسانية تدين حضارة القرن الحادي والعشرين، وخاصة من يسمونبالكبار الذين يقودون هذا العالم ويسيرون أوضاعه الاقتصاديةوالسياسية، ويضع الجميع أمام مسؤولية إنسانية سوف يسجلهاالتاريخ وتدين الدول المتقدمة وحكومات الدول النامية، لما آلت إليهأوضاع الإنسان في أمر يعد من الضرورات القصوى، ألا وهو الحد الأدنىمن الغذاء.
ساهمت أزمة كورونا، في ظل توقف حركة الإنتاج في العديد من المجالات،في إثارة مخاوف العديد من الدول بشأن استمرار إمدادات الغذاء، حيثسارعت بعض الدول المنتجة للغذاء بالإعلان عن وقف صادرات بعضالسلع الغذائية، كما اتخذت دول أخرى خطوات برفع الكميات لديها فيمخازن الغذاء بشكل غير مبرر، في إطار ضبابية الأجل الزمني للانتهاء منمواجهة جائحة كورونا.
ومما يؤسف له أن التداعيات السلبية لأزمة كورونا على الصعيدالاقتصادي –على ما يبدو- سوف تؤثر على المعونات الدولية التي تقدم منالدول الغنية إلى الدول الفقيرة، وخاصة تلك التي تمول برامجإنسانية مثل برنامج الغذاء العالمي.
وثمة أمر جوهري يتعلق بالأسباب التي وضعت العديد من الدول الناميةفي مأزق أزمة الغذاء، وهي الانصراف عن قطاع الزراعة والاستثمار فيه،بزعم ضعف المردود منه، والاتجاه نحو القطاعات الاقتصادية الأخرى،وخاصة قطاع الخدمات.
المثير للاستغراب أن ذلك تم دون وجود خطة بديلة للاعتماد على استيرادالغذاء من الخارج وإعداد سيناريوهات لمواجهة الأزمات في أمر مهم مثلتوفير الأمن الغذائي. وبلا شك فإن تراجع معدلات التجارةالدولية والمخاوف الخاصة بانتقال العدوى، أثرت في حركة السفن ونقلالغذاء بشكل ملحوظ، ولا يغيب السلوك السلبي للبعض من استغلالالفرصة ورفع الأسعار لتقديم التوريدات الخاصة بالغذاء.
خطة المواجهة
لا يخفى على أحد أن معظم الحروب التي تعاني منها الدول النامية هيحروب مدارة، ويمكن للقوى الدولية والإقليمية إخماد هذه الحروب فيأسرع وقت، ولعل الحالة العربية خير دليل، وما تم في اليمن مؤخرا عبرقرار وقف إطلاق النار، خير دليل على أن هذه الحروب يمكن وقفها فيوقت قصير، وإن لم يكن فيمكن تمرير المساعدات للمشردين والمهمشينوتأمين مناطقهم، بما يمكنهم من الحصول على الغذاء اللازم.
وتعد أزمة كورونا فرصة للدول النامية –ومن بينها الدولالعربية- لتصحيح الكثير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكلعام، وعلى صعيد الزراعة والغذاء بشكل خاص.
القطاع الزراعي والصناعات الغذائية يحتاجان المزيد من الاهتمام والدعم،ولا يعد دعم القطاع الزراعي بالشيء المعيب، فأميركا تعهّدرئيسها دونالد ترامب مؤخرا بتقديم 19 مليار دولار للقطاع الزراعيكتعويضات بسبب أزمة كورونا، وسبق ذلك أن قدم ترامب في 2019 نحو14 مليار دولار أخرى للمزارعين، نتيجة الأضرار التي أصابتهم بسببالحرب التجارية بين أميركا والصين.
كما أن الأزمة فرصة لتصحيح العادات الغذائية والاستهلاكية في الوطنالعربي، فما يتم إهداره يبلغ مبالغ كبيرة، يمكنها تحسين أوضاع العديدمن الأسر، فإن لم يكن ذلك بتخفيض قيمة فاتورة الغذاء،فيكون بتوجيه فائض طعام القادرين إلى من يعانون من أزمة غذاءتعرض حياتهم للخطر.
ومما تمت الإشارة إليه غير مرة خلال تناول أزمة الغذاء في الوطنالعربي، هو ضرورة الاستفادة من الشوارع والحدائق العامة وزراعتهابالأشجار المثمرة، والابتعاد بنسبة ما عن أشجار الزينة، فضلا عن ضرورةلجوء الأفراد والأسر إلى زراعة الأسطح والشرفات، بما يؤدي إلى المساهمةبشكل جيد في توفير الغذاء للمجتمع.
ولا يحتاج الأمر إلى ذكر ما تعانيه العلاقات العربية من مشكلات، ولكنلعل الأضرار الناتجة عن أزمة كورونا على الصعيد الاقتصادي تكوندافعة لتحريك ملف التكامل الاقتصادي العربي، وعبر هذا الملف سيكونمجال الإنتاج الزراعي والغذائي أسرع الملفات التي يمكن اعتبارها جسرالإعادة العلاقات العربية لوضعها الصحيح، على أن يكون ذلك الأمر فيضوء مسار ممتد وطويل الأمد، ولا يقتصر على وقت الأزمات فقط.