كتاب وآراء

متى يحترم المُنحرفون أنفسهم؟

زينب علي البحراني

من حقنا كبشرٍ مُتحضرين أن نطمح إلى عالمٍ أكثر رُقيًا وجمالاً حسيًا ومشاعريًا، وإن كان إيقاع الحياة العشوائي الذي جرّدته مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصال الإلكتروني من أدبيات الوعي بقيمة الأشياء والأشخاص، قلل من تمسك الناس بالمسؤولية الحقيقية تجاه الكلمة المكتوبة أو المنطوقة، وحمل التعامل معها على محملٍ جاد يُعطي معنى أكثر عمقًا لوجودهم.

من المسائل المثيرة للاهتمام في هذا الإطار مسألة استغلال البعض تلك الوسائل في محاولة التسلل إلى عالم أشخاص آخرين وإقامة علاقات “غير أخلاقية” معهم، ونحن هنا لا نقصد التطبيقات المُخصصة للعلاقات غير الأخلاقية بحيث تكون عنوانًا معروفًا لقاصديها مثلما بيوت “بيع الهوى” واللذات الجسدية المؤقتة لها عناوين يعرفها مرتادوها، بل نعني تلك التطبيقات التي تحتفظ بقدرٍ كبير من مكانتها الرصينة لإنشاء علاقات إنسانية مُحترمة في حدود الصداقة والمهنة والهوايات إضافة إلى توفير شبكة تواصل آمنة بين أفراد الأسرة الواحدة مثل واتس آب، فيسبوك، وإنستقرام.

من الغريب أن هناك أشخاصًا مازالوا لا يخشون العواقب الوخيمة والقوانين الرادعة لمثل تلك السلوكيات في كثير من بلدان العالم، ففي الخليج – على سبيل المثال- يتم اعتبار تلك التصرفات “جرائم إلكترونية” تؤخذ بلاغاتها بعين الاعتبار ويتم التعامل معها بجدية، لكن يبدو أن هذا النوع من “الانحراف الأخلاقي” ناجم عن مشكلات حقيقية في الدماغ أو أزمات هرمونية تُعمي المُقدمين على تلك الأفعال وتحجب عنهم تخيل الدمار الهائل الذي سينال من مستقبلهم إذا تم رفع بلاغ رسمي ضدهم، وهي مُشكلات قد يجد لها المستقبل الواعد بتطورات كبيرة حلول جذرية.

هؤلاء – على الأغلب- ممن ينظرون للأمور بعشوائية وسطحية، إلى درجة أن أحدهم لو صادف مقالي هذا سيرى أنن “كبَّرت الأمور” أكثر مما يجب، بينما الحقيقة أن الأمر كبيرٌ فعلاً ليس بسبب ما يتضمنه من سُخف وتفاهة ووقاحة وانعدام أخلاق وقلة تربية، بل لأن في انتشاره واعتباره “أمرًا عاديًا” خطرٌ هائل على اتزان المجتمع، المجتمع الذي هو اليوم يترنح فعلاً تحت وطأة اغتيال كُل ما هو عظيم وجميل، وكل ما يستحق شرف الاحترام.

كُل فعلٍ من هذا النوع يورث حزنًا عميقًا في نفس الشخص المُتلقي أو المُستهدف إن لم يكن من النوع الذي يواجه أمرًا كهذا بالغضب، حزن لأننا وصلنا إلى هذه المرحلة التي صار فيها الناس لا يحترمون أنفسهم ولا يُدركون قيمتهم الحقيقية إلى درجة التعامل معها بهذه الطريقة الرخيصة، يتعاملون مع أنفسهم وكأنهم “قمامة” تبحث عن حاوية لاستقبالها، وحزن لأنهم لا يقدرون قيمة الشخص الآخر ولا يقيمون لها وزنًا، وإذا افترضوا أن احتمالات قبول عرضهم لا تزيد عن 50% مقابل 50% لرفض هذا العرض أو تجاهله مع “حظر” حسابات الفاعل وقطع كل علاقة معه؛ يكون من المحزن كون هذا الفاعل لم يُرسل ما أرسله إلا لكونه “غير مهتم” بانهيار صورته في عين الآخر، وتشوهها، وبلوغها مبلغًا كبيرًا من الاحتقار، وغير مهتم بانطفاء وجود الآخر في عالمه إلى الأبد عندما يرحل بسبب هذا السلوك المشين، فالمهم فقط هو “القاء صنارة الصيد” على أمل تحقق احتمال الـ 50% وقبول الشخص المُستهدف مُشاركته تلك اللذة الشهوانية الرخيصة.

نحن لا نجهل حقيقة أن تلك الطاقة الشهوانية الهستيرية تدفعهم دفعًا لارتكاب هذه السلوكيات بصورة تجعلهم كالمغيبين غير الواعين بخطرها عليهم قبل غيرهم، ولا شأن لنا بشؤونهم الخاصة التي يتعاملون فيها دون احترام مع ذواتهم ومشاعرهم وأجسادهم، لكن من الخير لهم أن يُلملموا شباك صيدهم ويحصرون نشاطها على الحدود الإقليمية للتطبيقات المعروفة بالفساد والإفساد بعيدًا عن الأبرياء والطيبين الذين يُريدون المُحافظة على ما بقي من احترامهم لأنفسهم ونقاء عالمهم الصغير.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى