شبح “الحويجة” يطارد الحكومة الهولندية.. كيف سيتم تعويض الضحايا العراقيين؟
يطارد الحكومية الهولندية منذ أشهر شبح مشاركتها في التحالف العسكري الغربي الذي غزا العراق عام 2003، فبعد اعترافها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمسؤوليتها عن أخطاء عسكرية قادت إلى قتل عشرات العراقيين في مدينتي الموصل والحويجة عام 2015 تواجه الحكومة الهولندية استحقاقات التعويضات المالية للضحايا، والتي قد تصل لعشرات الملايين من الدولارات.
وقدّم مؤخرا 52 عراقيا من أهالي مدينة الحويجة طلب تعويضات رسمي لوزارة الدفاع الهولندية، وتسبب ذلك في جدل سياسي حاد بالبلاد عن قيمة التعويضات التي يمكن أن تدفعها الحكومة الهولندية للمتضررين الأحياء أو أسر الضحايا، وهناك سؤال ملح يتردد في أروقة السياسة الهولندية “ما ثمن حياة العراقي المقتول..؟”.
كما يخشى البعض أن فتح باب التعويضات عن “أخطاء” حصلت أثناء المشاركة العسكرية الهولندية في العراق منذ عام 2003 سيقود إلى قضايا مشابهة، خاصة أن القوات العسكرية الهولندية كان لها دور مهم في التحالف الغربي آنذاك، وتمركزت قواتها البرية لسنوات في محيط مدينة السماوة جنوبي العراق.
وبعد انسحاب القوات الهولندية البرية من العراق ساعدت القوات الجوية الهولندية التحالف الغربي في عملياته بالعراق في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وكانت القوات الجوية الهولندية قد قصفت معملا لإنتاج القنابل تابعا لتنظيم الدولة في الحي الصناعي القريب من مدينة الحويجة عام 2015، بيد أن انفجار المعمل أدى لتدمير المنطقة القريبة منه ومقتل عشرات المدنيين (يرجح أنهم وصلوا إلى 70 قتيلا)، وأضعافهم من الجرحى.
أخطاء وأثمان
وعلى الرغم من أن الحكومة الهولندية قد بررت سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا العراقيين بأنه يعود إلى الكمية الكبيرة من القنابل التي كانت في العمل فإن المحامية الهولندية ليزبيث زيخفيلد -التي تتولى ملف تعويضات ضحايا مدينة الحويجة- تحمل القوات العسكرية الهولندية المسؤولية، لأنها لم تحسب بدقة الآثار التي يمكن أن يتركها تفجير معمل للقنابل يقع على مقربة من حي يسكنه مدنيون.
كما كشفت المحامية في حديث لصحيفة “إن آر سي” الهولندية أن هناك إشارات تقول إن القوات الجوية الهولندية الأميركية المشتركة كانت تعرف أن ضربتها للمعمل ستؤدي إلى خسائر بشرية بين المدنيين الذين يعيشون على مسافات قريبة من المعمل.
وأضافت المحامية أن الاستطلاعات المخابراتية لهذه القوات كانت على علم بالحركة الليلية للمدنيين التي يشهدها محيط المعمل في المساء، وأن هؤلاء المدنيين لم يكونوا يعرفون طبيعة نشاطاته، على خلاف ما ادعته هذه القوات بأن المنطقة كانت مهجورة تماما في المساء إلا من عناصر تنظيم الدولة.
ويزعم العراقيون الذين قدموا طلب التعويض في هولندا أن الحكومة العراقية تقف وراء مطلبهم، وأنها سلمتهم المستلزمات القانونية اللازمة التي تعينهم على متابعة قضيتهم في هولندا.
وينفي هؤلاء صحة ما قيل عن تورط الأهالي القريبين من مكان الانفجار بنشاطات تنظيم الدولة، و”إلا لما ساعدتهم الحكومة العراقية التي حققت في الأعوام الأخيرة في صلة أهالي المنطقة مع تنظيم الدولة الإسلامية”، فطلب التعويضات الذي وصل إلى وزارة الدفاع الهولندية جاء مباغتا للحكومة هناك التي كانت تريد أن تدرس على مهل إستراتيجيتها في التعامل مع القضية، بعد أن شكلت في العام الماضي لجنة لدراسة موضوع التعويضات، وكيف يمكن التوصل إلى صيغة مرضية لجميع الأطراف.
من جهتها، تحدثت وزيرة الدفاع الهولندية في وقت سابق من العام الماضي عن صندوق إعانة جماعي لأهالي المنطقة السكنية المتضررة كبادرة حسن نية، وهو الاقتراح الذي لم يلق تجاوبا بين عائلات الضحايا العراقيين.
يطالب وحده بتعويضات
وتتولى المحامية ليزبيث زيخفيلد نفسها ملف قضية العراقي باسم راززو الذي دمرت غارة هولندية منزله في الموصل عام 2015 وقتلت زوجته وابنته وأخاه وابن عمه، وتسببت في حرمانه من عمله.
يذكر أن الحكومة الهولندية قد أقرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بمسؤوليتها عن قصف بيت العراقي، وذلك بناء على معلومات مخابراتية مضللة عن وجود قائد كبير لتنظيم الدولة في البيت.
وكشف تقرير لوزارة الدفاع الأميركية نشرته جريدة نيويورك تايمز الأميركية عام 2017 أن ضربة بيت راززو تمت بسبب شكوك بإيوائه قادة من تنظيم الدولة، وأنه على رغم أن الطائرات المسيرة الأميركية لم ترصد نقل أسلحة من البيت أو فإنها لاحظت خلو المنزل من النساء والأطفال، والذي رجح كفة تحوله إلى منزل لتنظيم الدولة.
وكان باسم راززو قد رفض مبلغ 15 ألف دولار عرضت عليه كبادرة حس نية من القوات الأميركية، فيما يطالب اليوم الحكومة الهولندية بمبلغ مليوني دولار تعويضا عن خسائره المعنوية والمادية.