ميدل إيست آي”: جهود الدعاية البريطانية في سوريا ربما انتهكت قوانين المملكة المتحدة
كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في تقرير حصري أعده إيان كوبين وأليس روس عن وجود مخالفات للقانون البريطاني في برامج للدعاية السرية البريطانية في سوريا.
وقال التقرير إن برامج الدعاية السرية في المملكة المتحدة في سوريا التي مزقتها الحرب كانت سيئة التخطيط، وربما تكون غير قانونية ومكلفة، وذلك وفقاً لمراجعة داخلية نقدية للمبادرة التي اطلع عليها موقع “ميدل إيست آي”.
وأضاف الموقع أنه باستخدام وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي وحملات الملصقات وحتى الرسوم الهزلية للأطفال، حاولت شركات التواصل الإعلامي التي تعمل بموجب عقود مع الحكومة البريطانية تقويض كل من حكومة الرئيس بشار الأسد وتنظيم داعش ودعم العناصر المعتدلة داخل المعارضة السورية.
وكانت المملكة المتحدة قد باشرت في جهودها الدعائية في سوريا في عام 2012 وكثفتها بشكل كبير في العام التالي حيث سعت إلى الحفاظ على موطئ قدم استراتيجي لها هناك بعد أن صوت البرلمان البريطاني ضد أي تدخل عسكري بريطاني في الصراع.
وأعطيت سلسلة البرامج الاسم الرمزي عملية “فوليوت” Volute أو “العملية الحلزونية”، وتحدث المشاركون في العمل ليس عن الدعاية، ولكن عن “الاتصالات الاستراتيجية”.
ومع ذلك، خلصت المراجعة التي أجريت خلال صيف 2016 إلى أن “أوجه القصور الأساسية” للمبادرة تضمنت غياب “تحليل للصراعات وغياب تحليل للجمهور المستهدف”.
وتكشف المراجعة أيضاً عن وجود مخاوف داخل الحكومة البريطانية بشأن الحاجة إلى البرامج، والتي تم دفعها بحماس أكبر من قبل وزارة الدفاع البريطانية (MoD) من عام 2013 فصاعداً بسبب “قيود السياسة” التي فرضها التصويت ضد العمل العسكري. وخلصت المراجعة إلى أنه يبدو أن الكثير من المشاريع اكتملت لأنه “كان يتعين علينا أن نفعل أشياء” أو تم تصميمها لإبهار الحكومة الأميركية. وقالت “المشاريع حققت مكاسب سريعة ونتائج ضحلة مدفوعة بالأرقام”.
وخلصت المراجعة إلى أنه كان هناك “خطر كبير” من أن بعض أنشطة المقاولين الحكوميين كانت “مخالفة لقانون المملكة المتحدة”، على الرغم من أن معدي المراجعة لم يوضحوا كيف يعتقدون أن القانون قد تم خرقه.
علاوة على ذلك، تم إنتاج الكثير من المواد من قبل مروجي الدعاية لدرجة أنهم أنشأوا “كوكبة من وسائل الإعلام”، حيث شوشت الجمهور والنشطاء السوريين وشتتت انتباههم ولم يعد الناس يعرفون من أو ماذا يعتقدون.
وقد فحصت المراجعة برنامجين تمت إدارتهما من قبل وحدة داخل وزارة الدفاع البريطانية تسمى “وحدة الآثار الاستراتيجية العسكرية”، وبرنامجين آخرين يداران من قبل مجموعة داخل وزارة الخارجية البريطانية تسمى “خلية اتصالات مكافحة داعش”.
وتمت إدارة برنامج خامس من خلال برنامج عبر الحكومة يسمى صندوق الاستقرار والأمن (CSSF) ، والذي يهدف إلى معالجة الصراعات التي تهدد المصالح البريطانية.
وقد تم إسناد أربعة من هذه البرامج إلى شركات اتصالات بريطانية، بعضها يديره ضباط سابقون في الجيش أو ضباط استخبارات. وأنشأت هذه الشركات مكاتب لها في اسطنبول وعمان، حيث قامت بتجنيد سوريين للقيام بمعظم العمل اليومي. وخُصص البرنامج الخامس لشركة اقتراع مقرها الولايات المتحدة.
كانت البرامج الخمسة تهدف إلى تضخيم عمل الصحافيين السوريين؛ ودعم الجماعات التي اعتبرها البريطانيون جزءاً مما أسموه “المعارضة المسلحة المعتدلة”؛ ومواجهة التطرف العنيف؛ وتشجيع الانشقاقات بين أفراد الطوائف العلوية في سوريا.
وقام الفريق السوري في البرامج بتجنيد المزيد من السوريين الذين تم توظيفهم “كمراسلين” داخل سوريا. ولم يكن الكثيرون على علم بأن المشاريع التي كانوا يعملون عليها تمولها وتديرها الحكومة البريطانية.
وتم وضع المخططات الأولية لثلاثة من البرامج الخمسة على الأقل من قبل عالم أنثروبولوجيا يعمل في مكافحة الإرهاب لمصلحة وزارة الخارجية في لندن.
ووصلت ميزانيات البرامج مجتمعة من حكومة المملكة المتحدة إلى 9.6 مليون جنيه استرليني (11.9 دولار) خلال عامي 2015-2016، مع تخصيص المزيد من الأموال للسنوات اللاحقة. ولاحظت المراجعة أن القصد من البرامج هو أن تسترشد باستراتيجية رسمها مجلس الأمن القومي الحكومي، لكنها خلصت إلى أن تلك الاستراتيجية كانت “ضعيفة” و”مبهمة”.
ووجدت المراجعة أن العديد في الحكومة البريطانية لم يكونوا غير واضحين بشأن ما يمكن وما لا يمكن أن تحققه وحدة الاتصالات الاستراتيجية، حسبما بينت المراجعة، وتم التداول بين المسؤولين الحكوميين إن هناك “نقصاً في الفهم حول ما يريده الجمهور السوري وما يفكر فيه حقاً”. وقيل إن هناك “توتراً بين التغييرات السلوكية التي تتوخاها برامج اللجنة العليا (وهي طويلة الأجل) والأهداف الانتهازية قصيرة المدى لبرنامج صندوق الأمن والاستقرار”.
وتنتقد المراجعة “نقص التماسك” بين مختلف جوانب البرنامج و “ازدواجية” الجهود. كما تسلط الضوء على مدى تعقيد العمل مع قوى المعارضة السورية المتغيرة باستمرار، وتحذر من “الضرر المحتمل للمصداقية و / أو الضرر الذي لحق بسمعة حكومة صاحبة الجلالة إذا سرّب أن هناك روابط بين بعض المعارضة المسلحة المعتدلة وتمويل الحكومة البريطانية.”
تتناول المراجعة وفاة بعض الموظفين السوريين، لكنها لا تنتقد هذا الجانب من العمل. وتقول إن بعض الشركاء المنفذين للبرامج قد فقدوا العديد من الموظفين. ويوصف أحد المتعاقدين بأنه “تكبد خسائر من الموظفين الأساسيين ألحق أضراراً كبيرة بالمنظمة”.
وكشفت أن المراجعة إحدى شركات الاتصالات التي تقدم برامج دعاية حكومية في المملكة المتحدة بدت أنها “منظمة تجارية عدوانية” تحملت مخاطر شخصية وسياسية. وخلصت المراجعة إلى أن “هناك خطراً أن يذهبوا بعيداً للغاية وبالتالي يتحملون مخاطر قد يكون لها تأثير سلبي غير مباشر على أولئك الذين يعملون من خلالهم”، مضيفةً أن هناك حاجة إلى “كبح” المقاول.
وأقرت المراجعة بأن مراسلي البرنامج و”المعارضة المسلحة المعتدلة” التي أبلغوا عنها قد تسببوا في ضرر غير محدد: “يعمل المراسلين أو “المعارضة المسلحة المعتدلة” في بيئة تهيمن عليها الجماعات المسلحة التي تقوم بأعمال يمكن أن تسبب (وتسببت) الضرر بعد أنشطة.”
وتقر المراجعة بأنه تم التعبير عن المخاوف داخل البرنامج وخارجه. ففي عام 2013 إن وزراء حكومة المملكة المتحدة الوحيدين، الذين كانوا ملتزمين تماماً بإطلاق برامج اتصالات استراتيجية جديدة في سوريا – في غياب أي نشاط عسكري بريطاني على الأرض – كانوا في وزارة الدفاع.
واستمر البعض في الحكومة البريطانية في “سؤال أنفسهم عما إذا كان ينبغي إنفاق أموال دافعي الضرائب على بعض أنشطة البرنامج”، بينما كانت هناك شكوك كبيرة حول البرنامج بين بعض شركاء الحكومة البريطانية.
وتسبب المراسلون والجماعات المعارضة في ضرر لم تحدده المراجعة، حيث قالت: “كان المراسلون وجماعة المعارضة المسلحة المعتدلة يعملون في مناخ قد يتسبب بضرر في حال متابعة نشاطاتهم”.
وكشفت المراجعة أن مظاهر القلق كانت واضحة داخل وخارج أوساط العاملين في البرامج. وتساءل بعض المسؤولين عن استخدام “أموال دافعي الضرائب” البريطانيين في نشاطات وبرامج كهذه، فيما شكك آخرون داخل الحكومة في نجاعة بعض شركاء الحكومة.
لكن وزارة الدفاع البريطانية ظلت متحمسة للبرامج، على حد قول المراجعة، على الأقل لأن “التكلفة السنوية للبرنامج تمثل قيمة استثنائية في مقابل المال في ظل قيود السياسة الحالية”. ومع ذلك، شككت المراجعة في تكاليف البرنامج، ونصحت بأن جميع شركات الاتصالات “تأخرت طويلاً في التدقيق المالي الخارجي”.
وأشار التقرير إلى أن بعض البرامج لم تكن تهدف فقط إلى إحداث تغيير سلوكي بين الجماهير السورية، بل أيضاً لجمع معلومات استخبارية “مفيدة جداً”، لا سيما حول تحالفات وتكتيكات وأنشطة قوى المعارضة. وكانت إحدى شركات الاتصالات تقدم معلومات استخبارية للقوات العسكرية الدولية بناء على المعلومات المقدمة من شبكة مكونة من 240 مراسلاً يعملون في منتدى واحد عبر الإنترنت.
وتم تقييم فائدة رئيسية لبرامج الدعاية على أنها “اتصال الحكومة البريطانية بشبكات مختلفة (مسلحة أو غير مسلحة)” من المعارضين.
وخلصت المراجعة إلى ضرورة التفكير أكثر في التوازن من أجل تحقيق التوازن بين متطلبات الحكومة البريطانية واحتياجات الشعب السوري. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي “التأكد من فصل الهياكل التي تركز على جمع المعلومات الاستخبارية عن هياكل الاتصالات الهادفة إلى استهداف الجمهور السوري”.
ولا تشكك المراجعة في قرار حكومة المملكة المتحدة بتشغيل برامج الدعاية في سوريا، وتقول إن “المناقشات الجماعية المركزة والتعليقات القصصية والاستطلاعات تشير إلى أن الجمهور المستهدف مرتبط بالمنتجات وقد تلقى رسائل مقصودة، مما يدل على أن تسليم المشروع كان فعالا”.
ورفضت وزارة الخارجية البريطانية الإجابة على سلسلة من أسئلة “ميدل إيست آي” حول المراجعة الداخلية لعمليات الدعاية في سوريا. ورفضت الوزارة أن تقول ما إذا كانت النتائج المرجوة قد تمت موازنتها بالمخاطر على الحياة وكم شخصاً توفي؛ وعما إذا كانت المملكة المتحدة كانت تدعم أقاربهم. كما رفضت الإجابة على أسئلة حول خطر أن عمليات الدعاية البريطانية تنتهك قانون المملكة المتحدة، ولن تقول ما إذا كان وزراء الحكومة قد قرأوا المراجعة.