الليرة السورية بين العوامل الاقتصادية الموضوعية والعامل النفسي
محمد صالح الفتيح*
بعدما حافظت الليرة السورية على سعرها بدون تغيير مهم منذ مايو/أيار 2016 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2018 وذلك عند مستوى 500 ليرة سورية للدولار الأميركي، مع ملاحظة أن هذا السعر كان قد تحسن وصولاً إلى مستوى 430 ليرة خلال العام 2018. ولكن منذ ذلك الحين والليرة السورية في انخفاض سريع أمام الدولار، وبتقديري يعود هذا لعدة عوامل:
أولاً، ازدياد وتيرة الاستيراد خلال الأعوام الأخيرة. وهذه الوتيرة بدورها نتيجة زيادة الاستهلاك مع توقف القتال في معظم الأراضي السورية (باستثناء إدلب) منذ منتصف 2018. وكذلك نتيجة الحاجة لمنح رجال الأعمال المتنفذين مكاسب إضافية عبر فتح أبواب الاستيراد لهم.
ثانياً، العقوبات التي فرضت تدريجياً على إيران بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018 والتي خفضت حركة التجارة الإيرانية إلى سورية، وذلك بالتزامن مع فرض المزيد من العقوبات على سورية وما يعنيه ذلك من صعوبة في الحصول على المستوردات وارتفاع كلفة تمويلها.
ثالثاً، الغموض في الوضع السياسي الدولي تجاه الملف السوري حيث يظهر تجاهل غربي وعربي لهذا الملف بالرغم من المحاولات الروسية لانتزاع اعتراف بأنها نجحت بإعادة الاستقرار إلى سورية وبالتالي ضرورة تدفق المساعدات الدولية لإعادة إعمار سورية. إلا أن الموقف الدولي، بحسب ما يبدو، هو التجاهل ورفض التعهد بتقديم أي مساعدات باعتبار أن الغرب لم يكن له دور في صياغة واقع المشهد السوري اليوم. وهذا ما شكل انتكاسة كبيرة بطبيعة الحال لرجال الأعمال السوريين – المعروفين – الذين كانوا يراهنون على تدفق الاستثمارات إلى مشاريع إعادة الإعمار التي يشرفون عليها. ومما دفعهم بالتالي إلى البحث عن حصة أخرى في كعكة الاقتصاد السوري.
رابعاً، العامل النفسي. ففي حين أن العاملين الأولين، والعجز الحاصل في الميزان التجاري تقود إلى ظروف موضوعية تدفع الليرة السورية نحو الهبوط أمام الدولار، إلا أن غياب اليقين حول المقبل في الموقف الدولي، أي العامل الثالث أعلاه، وكذلك الغموض حول ما يحصل في الداخل، خصوصاً صراعات رجال الأعمال، يقود إلى خلق طلب إضافي على النقد الأجنبي. إلا أن هذا الطلب متقلب ويحصل في كثير من الأحيان أن يتحرك بالاتجاه المعاكس بمجرد استقرار سعر الدولار أو ظهور ملامح تحسن في سعر الليرة. ولهذا شهد سعر الليرة السورية أمام الدولار، منذ خريف 2018، صعوداً وهبوطاً حاداً بمعدل مرة كل شهرين تقريباً، وخصوصاً عند اقتراب الليرة السورية من عتبات جديدة. وهذا ما تم تحديده على الرسم البياني المرفق.
والآن، السؤال الأكثر طرحاً في الفترة الأخيرة هو إلى أين تمضي الليرة السورية؟ بشكل موضوعي وعلمي، وفي ظل عدم وجود أي محاولات لتحسين الإنتاج المحلي، الزراعي والصناعي، لخلق صادرات تؤمن القطع الأجنبي، واستمرار حركة الاستيراد بالتزايد، فلا يوجد شيء يمكن أن يوقف انهيار الليرة السورية. وعتبة 2000 أو 3000 ليرة أمام الدولار ليست مستبعدة. وخلال مسار هذا الهبوط من الطبيعي أن نشهد ذروات صعود حاد وهبوط، خصوصاً عند الاقتراب من عتبات معينة (1800 أو 2000 مثلاً)، كما هو موضح في هذا الرسم البياني، إلا أن الاتجاه العام سيبقى باتجاه انخفاض قيمة الليرة.