فاجعة الكولونيا» تثير جدلا سياسيا ودينيا واسعا في تونس
تحولت حادثة ضحايا الكولونيا أو “القوارص” (كما تسمى في تونس) إلى قضية رأي عام ومناسبة للتراشق السياسي والانتقاد الحكومي بسبب حالة الفقر التي تعيشها البلاد بسبب التردي الاقتصادي في السنوات الأخيرة.
وتوفي سبعة أشخاص وتسمم 60 آخرون بعد تناولهم لمادة كحولية فاسدة تتضمن مادة الميثانول السامة ممزوجة مع كلولونيا للحلاقة، في إحدى قرى ولاية القيروان وسط تونس.
وقال حمدي الحذري، المدير الجهوي للصحة بالقيروان، إن مادة الميثانول التي تم خلطها مع مادة القوارص (الكولونيا)، قبل تناولها من قبل الضحايا، تدمّر الأعصاب وخاصة العصب البصري، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من المرضى أصيبوا بالعمى.
وأثارت الحادثة جدلاً سياسياً ودينياً كبيراً، حيث دوّن المحلل السياسي فيصل المباركي: “القوارص ليست إلا أداة القتل، أما القتلة فهم الحكام مصاصو دماء الشعب الذي تحيلوا عليه فزادوه فقراً وتهميشاً، بل إن حكام البرويطة جميعهم ولا استثني أحداً زادوا في تفقير الفقراء و تهميش المهمشين ولكن الأخطر أنهم قتلوا فينا وداخلنا جميع أحلامنا وأقفلوا أمام الجميع أبواب الأمل… (ما في الصورة حيث كان يعيش بعض الضحايا)”.
وكتب الإعلامي سمير الوافي: “موت توانسة بشرب القوارص مأساة لا تستحق السخرية، هو موت شنيع ومثير للتعاطف الإنساني. لكن وصفهم بالشبان ليس دقيقاً لأن أعمارهم من 20 إلى 54 سنة… وهي ليست ظاهرة شبابية بل عامة وموجودة منذ عشرات السنين. وفي كل المدن حتى التي يباع فيها الخمر كالماء… والانتشاء بالقوارص والكحول يتعاطاه حتى متقدمون في الأعمار نراهم في الشارع ونلاحظ ذلك”.
وأضاف: “لكن البعض يريد تحويل وجهة المشكلة نحو منع بيع الخمر… ويعتبر ذلك سبب المأساة… وهذا ليس صحيحاً فالقيروان يباع فيها الخمر “خلسة” أمام الجميع…ومتوفر بكثرة وعناوينه معروفة… وهناك من أصبح ثرياً جداً من ذلك… كما أن سوسة قريبة وسيدي بوزيد أيضاً… وتوفر نقاط البيع لا يمنع أبداً تعاطي الكحول والقوارص فهذا موجود حتى في العاصمة… فهل سنوفر المخدرات أيضاً حتى نمنع تعاطي مواد أخرى بديلة مثل الكول والسيراج وغيره!”.
وتابع الوافي: “المأساة الحقيقية هي البطالة التي أنتجت الفقر. ومنه جاءت مآسي الناس… والمطلوب ليس توفير كعبة بيرة لكل مواطن… حتى نحل المشكل بتسهيل نسيان الناس لمشاكلهم عوض حلها… بل يجب توفير حلول اجتماعية وثقافية واقتصادية تخفف هموم الناس وتحدّ من كل إدمان هدّام… أما الخمر فهو متوفر والدولة تبيعه وتسهل بيعه لمن يشتري وتغمض بعض عيونها عن بيعه خلسة!”.
ودوّن الباحث طارق الشنيتي: “شربوا القوارص كي ينسوا السيستام الذي ذلهم وما زال يذلهم”.
وكتب الشيخ خميس الماجري: “رحم الله ضحايا القوارص وغفر لهم ـ ما لم يستحلّوا الخمر ـ وشفى الله البقيّة وقطع الله دابر مُستحلّها ولعن الرسول في الخمر عشرة”.
وعلّق الشيخ عادل العلمي، رئيس حزب الزيتونة، بالقول: “ما جرى مؤلم فعلاً، لكن هذه الحادثة يجب أن تكون عبرة لغيرهم”، معبراً عن رفضه الدعوات المطالبة بفتح حانات لإنقاذ الأرواح البشرية “حتى لا يتكرر السيناريو، لأن الخمر تعد من أم الكبائر وهي محرمة في ديننا كما أن التقارير تؤكد أنها القاتل الأول في تونس ومن الضروري اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها”.
فيما استغرب النائب عن ولاية القيروان، طارق الفتيتي، عدم قيام وزير الصحة، عبد اللطيف المكي، بزيارة ضحايا حادثة القوارص، مشيراً إلى أن “المرجعية الدينية لوزير الصحة عبد اللطيف المكي وراء تجاهله لضحايا القوارص، فهو يعتبر ذلك حرام، رغم أن موضوع القوارص لا علاقة له بالدين ونحن في دولة مدنية وهذا واقعنا”.
وأثار تصريح الفتيتي موجة من الاستنكار على مواقع التواصل، حيث شبهه بعض النشطاء بتصريح الصحافي سفيان بن حميدة الذي قال فيه إن تصريح وزير الصحة حول منع السباحة بسبب الكورونا سببه أيديولوجي هدفه أن لا يذهب النساء للبحر، والذي أثار حينها موجة من السخرية.
ودون الناشط بسام غريب: “لم أقتنع يوماً بوطنية وحياد طارق الفتيتي النائب الأول لرئيس مجلس النواب. فقد بدأ مشواره السياسي بعد الثورة بأموال سليم الرياحي مع الاتحاد الوطني الحر ثم مع نداء تونس ثم استقال منه ليقنعنا باستقلاليته ثم مع كتلة الإصلاح الوطني. اليوم، طارق الفتيتي ينتقد وزير الصحة، عبد اللطيف المكي، قائلاً: “أسباب دينية منعته من زيارة ضحايا القوارص”.
وأضاف: “أولاً، أنت نائب رئيس البرلمان الذي تسمونه السلطة المركزية بالبلاد وفوق هذا أنت نائب عن ولاية القيروان وهذا دورك قبل أن يكون دور المكي. ثانياً، المكي ماذا عساه يفعل؟ يخصص راتباً شهرياً لعائلات ضحايا الكحول مثلاً؟ يقدم لهم بيتاً مجانياً؟… مع العلم أن شهداء المؤسسة الأمنية والعسكرية حُرمت عائلاتهم من هذه الامتيازات رغم أنهم شهداء الواجب. ثالثا، حاول مراراً و تكراراً أن تكون مستقلاً و لا تيأس، فلا يأس مع الاستقلالية”.