موتوا في صمت.. شكوى أطباء مصر من تكميم الأفواه
عاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نغمة الحديث عن أعداء الوطن ومن وصفهم بالمشككين فيما يقوم به من إنجازات، خصوصا فيما يتعلق بمواجهة فيروس كورونا، في حين نشرت وكالة رويترز للأنباء تقريرا يؤكد أن أطباء وصحفيين وناشطين مصريين يواجهون الاعتقال والتهديدات بسبب كشفهم عن قصور في تعامل السلطة مع هذه الجائحة.
ومنذ تفشى فيروس كورونا في مصر ومعظم دول العالم ومواقع التواصل تشكك في الأرقام التي تعلنها السلطات المصرية عن عدد الإصابات التي وصلت حسب الأرقام الرسمية إلى ما يقارب 20 ألف إصابة وأكثر من 800 وفاة.
لكن الأيام القليلة الماضية شهدت تطورا لافتا تمثل في غضب الأطباء بسبب ما اعتبروه إهمالا من السلطة لهم وعدم حمايتهم أو تزويدهم بأبسط المتطلبات التي تمكنهم من القيام بدورهم في مواجهة هذه الجائحة، لكن إعلام السلطة رد باتهام الأطباء بالخيانة وعدم التضحية من أجل الوطن، بل وصل الأمر ببعض وسائل الإعلام إلى اتهام الأطباء بتنفيذ مخططات عدائية لدول خارجية أو لجماعة الإخوان المسلمين التي كان ينتمي إليها الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وبلغ غضب الأطباء أوجه بعد وفاة أربعة أطباء في يوم واحد وتقدم عدد منهم باستقالاتهم، كما أصدرت نقابة الأطباء بيانا شديد اللهجة، مما دفع السلطة إلى التراجع والإعلان عن خطوات لمساعدة الأطباء على أداء دورهم في هذه المرحلة الحرجة.
المتربصون والمشككون
لكن السيسي عاد اليوم في منشور على موقع فيسبوك إلى الحديث عن نجاحات السلطة وجهودها لمواجهة الوباء وللاستمرار في خطط التنمية، مضيفا أن أعداء الوطن من المتربصين يحاولون التشكيك فيما تقوم به الدولة من جهد وإنجاز.
وتزامنا مع منشور السيسي بثت وكالة رويترز للأنباء تقريرا عنونته بأن أطباء في مصر فضلا عن صحفيين وناشطين يشكون من محاولات لتكميم أفواههم في أزمة كورونا، ويواجهون الاعتقال أو التهديد به بسبب قيامهم بكشف قصور تعامل السلطة مع فيروس كورونا.
وبدأت رويترز بعرض حالة طبيب العيون هاني بكر الذي اقتحمت الشرطة مسكنه في محافظة القليوبية شمالي القاهرة مع حلول الظلام في 10 أبريل/نيسان الماضي، واعتقلته بسبب منشور كتبه على فيسبوك ينتقد فيه قيام السلطات بإرسال كمامات طبية إلى الصين وإيطاليا في الوقت الذي لم يستطع فيه الحصول على كمامات لممارسة عمله، حسب ما أوضحت محاميته عائشة نبيل.
ولا تزال السلطات تحتجز بكر (36 عاما)، وهو واحد من ثلاثة أطباء على الأقل ألقي القبض عليهم خلال أزمة فيروس كورونا المستجد.
ويقول المحامون إن الاتهامات الموجهة لهؤلاء الأطباء هي نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانضمام لتنظيم إرهابي، والأخيرة تهمة كثيرا ما تستخدم في القضايا السياسية.
لماذا الاعتقال؟
وتنقل رويترز عن المحامين أن السلطات اعتقلت الأطباء بعد أن رفعوا أصواتهم اعتراضا على نقص وسائل الحماية أو الدعوة إلى تطبيق تدابير أفضل للسيطرة على العدوى.
ولم ترد وزارة الداخلية المسؤولة عن جهاز الشرطة على طلب رويترز للتعليق على اعتقال بكر وغيره من الأطباء، علما بأن السلطة تنفي الضغط على العاملين في القطاع الطبي وتقول إنها أدارت جهود التصدي للجائحة بشكل جيد.
وعززت الحكومة الإنفاق على قطاع الصحة، وخصصت مكافآت للعاملين في مجال الرعاية الصحية بالمستشفيات العامة، وعندما فرضت حظر التجول وأغلقت المدارس والمساجد والفنادق في مارس/آذار الماضي أشاد بعض الأطباء بهذا التحرك.
لكن مع تسارع وتيرة الإصابات -بما فيها إصابات بين العاملين في مجال الرعاية الصحية- شكك البعض في تصريحات رسمية تفيد بأن الجائحة تحت السيطرة.
وقال تسعة من الأطباء والمحامين والناشطين الحقوقيين حاورتهم رويترز إنهم يرون حملة أوسع نطاقا لفرض الرقابة على التغطية الإعلامية لتفشي المرض تستفيد من حملة واسعة المدى للتضييق على المعارضة في عهد السيسي.
وردا على أسئلة مكتوبة من رويترز عن شكاوى الأطباء وتقارير عن إخفاء المعلومات، قال المركز الصحفي التابع للهيئة العامة للاستعلامات إن “مصر من أكثر دول العالم نجاحا في التصدي لوباء الكورونا” ولم يذكر المركز أي تفاصيل.
قلق الأطباء
وتقول منظمة الصحة العالمية إن حوالي 11% من المصابين بالفيروس في مصر من العاملين في قطاع الرعاية الصحية، منهم 124 طبيبا، وذلك وفقا لتقرير صدر في 17 مايو/أيار الجاري.
ويوم الاثنين الماضي، قالت نقابة الأطباء إنها سجلت 350 حالة بين الأطباء، منها 19 وفاة، بينما تحدثت وزارة الصحة عن اتخاذ تدابير وقائية وإجراء ما يقارب 20 ألف فحص للعاملين في القطاع الطبي على مستوى البلاد، منها نحو 9000 مسحة للكشف عن الفيروس.
غير أنه مع انتشار الفيروس أبدى بعض الأطباء في المستشفيات العامة قلقا متزايدا، وقالوا إنهم لم يحصلوا على الوسائل اللازمة لمحاربة الفيروس.
وقالت وزارة الصحة في بيان يوم الاثنين إنها أمرت بإجراء تحقيق في مستشفى المنيرة بالقاهرة في وفاة الطبيب الشاب وليد يحيى الذي أصيب بالفيروس، وذلك بعد أن هدد زملاؤه بالاستقالة الجماعية لأسباب، منها: نقص الاستعدادات ووسائل الحماية في المستشفى وانخفاض المرتبات، بالإضافة إلى تهديدات إدارية وأمنية.
وفي مستشفى منشية البكري بالقاهرة أيضا، قال طبيب أمراض الجهاز الهضمي محمد مقبل إن العاملين في المستشفى طلبوا -دون جدوى- إجراء فحوص لهم عندما جاءت نتائج فحوص 23 زميلا لهم إيجابية بعد أن بدأ المستشفى استقبال الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس في منتصف مايو/أيار الجاري.
وأضاف أنه عندما قرر أطباء المستشفى الامتناع عن العمل لدعم مطالبهم بإجراء الفحص لهم وتوفير وسائل الحماية والتدريب هددت إدارة المستشفى بإبلاغ جهاز الأمن الوطني عنهم، ولم يتسن الاتصال بالمسؤولين في المستشفى للتعليق على ما قاله.
ولم ترد وزارة الصحة على طلبات للتعليق، وقال مستشار السيسي للشؤون الصحية محمد تاج الدين لرويترز إن الأرقام الرسمية للمصابين دقيقة، نافيا وجود ضغوط على الأطباء، مضيفا أن الإجراءات الانتقامية “غير مسموح بها”، وأن الشكاوى تلقى الاهتمام.
تهديدات السلطة
غير أن المصادر قالت إن الحكومة تحركت لإخماد الانتقادات، فقد حذرت مذكرة من وزارة الصحة -أرسلت إلى المستشفيات في محافظة البحيرة وأطلع ناشط (طلب إخفاء هويته) رويترز عليها- العاملين في قطاع الرعاية الصحية من أنهم سيتعرضون لمساءلة قانونية إذا سربوا معلومات عن فيروس كورونا.
وقال أطباء في ثلاث محافظات أخرى إنهم شاهدوا تحذيرات مماثلة، بينما قال طبيب من محافظة الدقهلية -طلب عدم نشر اسمه- إن لجنة الشؤون القانونية التابعة لوزارة الصحة في المحافظة استجوبته بسبب اتهام الوزارة على فيسبوك بغياب الشفافية، مضيفا أن الدولة تريد تخفيض عدد الوفيات المسجلة.
ولم ترد وزارة الصحة على طلب للتعليق على ما قاله الطبيب الذي مثل أمام لجنة قانونية لانتقاده الوزارة على فيسبوك.
وفي وسائل الإعلام الرسمية وجهت اتهامات لأطباء انتقدوا ما تعلنه الحكومة عن أرقام الإصابات بفيروس كورونا أو النجاح في المعركة مع الفيروس بأن لهم صلات بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
وقال مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد إن السلطات ألقت القبض على ما لا يقل عن 500 شخص، من بينهم ناشطون ومحامون و11 صحفيا.
وأضاف عيد أن السلطات لا تريد أن ينقل أحد أي تقارير غير البيانات الرسمية.
وختمت وكالة رويترز تقريرها بأن المتحدث باسم وزارة الداخلية لم يرد على طلبها للتعليق على هذه الاعتقالات.