ترمب يناشد الانجيليين لا الانجيل ويهدد بالعسكريين لكن بلا حرب
حافظ الميرازي*
بعد أن تسربت أنباء إدخاله مخبئا آمنا أسفل البيت الأبيض لحمايته، حين تجمع المتظاهرون أمامه يوم الاحد، حرص دونالد ترمب في اليوم التالي، على استرداد كرامته بإظهار شجاعته بالخروج من أبواب البيت الابيض على الأقدام، امس الاثنين، ليعبر الشارع مشيا ويقف امام الكنيسة الصغيرة المواجهة، رافعا بيده الانجيل.
طبعا تطلب الامر، تعبئة المكان قبل وصوله بقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، حتى يصله فارغا بمجرد حلول موعد حظر التجول في السابعة مساء.
كان ترمب قد انتهى لتوه من إلقاء كلمة بحديقة البيت الأبيض يهدد باستدعاء الجيش لنزول شوارع المدن الأمريكية لإنجاز المهمة بسرعة، كما هدد، إن لم يستدع حكام الولايات الحرس الوطني لكل ولاية لفرض الأمن ووقف أعمال الشغب.
العسكريون هم الملاذ بالنسبة لترمب في حسم الموقف، مثلما يحرص دائما على أن يزيد ميزانيتهم، ويتعامل معهم باعتبارهم رمز القوة الامريكية، لكنه يريدها هذه المرة في الداخل وليس الخارج فقط.
هذا الغزل مع العسكريين، وزيادة ميزانياتهم.. سبقه إليه من قبل ممثل آخر، وإن كان في السينما وليس برامج التليفزيون، وهو دونالد ريجان، الذي أُعيد انتخابه لفترة ثانية (١٩٨٤) رغم أن الرئيس الديمقراطي الذي سبقه (كارتر) والجمهوري الذي جاء بعده (بوش: الاب) لم يبق في الحكم سوى فترة واحدة.
ريجان وضع تقليدا في رد التحية، للعسكريين الأمريكيين الملزمين بتحية الرئيس، دون أن يرد هو، لكن ريجان كان يعطيهم دائما التحية العسكرية بيده. وهو تقليد اُضطر أن يتبعه كل رؤساء أمريكا بعده ومنهم أوباما. أما ترمب فزايد عليهم، بتحية العلم أحيانا، وليس الرد فقط عليهم، بنفس طريقة العسكريين في رفع اليد للرأس، مع أنه كمدني يُفترض أن يضع يده اليمنى على موضع قلبه خلال الوقوف لعزف النشيد الوطني.
شأنه شأن ريجان، يستخدم ترمب القوة السياسية التصويتية لليمين المسيحي من الأصوليين التبشيريين او الانجيليين، رغم أن حياة ريجان وترمب الشخصية لا تعبر عن قيم الأسرة المحافظة لهؤلاء الاصوليين، غير أن الطرفين وبتحالف ايديولوجي، مع اليمين الصهيوني المتسق مع النبؤات الانجيلية، ولو بشكل مؤقت، حولّوا كتلة تصويتية كانت مضمونة عند الحزب الديمقراطي، من المناصرين لإسرائيل من منطلق ليبرالي، لتتحول إلى الحزب الجمهوري، عن طريق الائتلاف الإنجيلي الصهيوني.
لهذا حمل ترمب امس الانجيل واقفا به امام الكنيسة المواجهة للبيت الابيض، فنسبة الانجيليين تمثل ٢٠% من الناخبين الامريكيين، وهؤلاء رغم معرفتهم بكل انحرافات ترمب وفضائحه، صوتوا لصالحه بنسبة ٨٠% في انتخابات الرئاسة ٢٠١٦ التي لم يفز فيها بالاصوات الشعبية، بل بالنقاط للولايات، ضد هيلاري كلينتون.
وفي استطلاع رأي بين الانجيليين العام الماضي عندما أراد الكونجرس محاكمته برلمانيا، جاءت نسبة تأييدهم له ورفض محاكمته ٩٩%.
ولو اضفنا إلى ذلك، استغلال نتنياهو توقيت قرب انتخابات الرئاسة في اكتوبر ليبدأ في ضم أراضي الضفة الغربية من اول يوليو المقبل، ضامنا ليس فقط صمت ترمب، بل ضغطه على حلفائه العرب ليصمتوا بالمثل، فإن حاجة ترمب للانجيل ربما لن تكفي لإعادة انتخابه، طالما لن يجد وقتا كافيا لحرب خارجية، يتمسح خلالها بالعلم والزي العسكري وهو يدافع عن الوطن، لأنه وقتها فقط، وفي غياب نزول الجيش للشوارع، لن يمكنه البقاء فترة ثانية، مثلما فعل بوش الابن، طالما أن الشعار المرفوع بجانب الصلاة والدعاء لله، لم يتحقق بعد، إلا وهو:
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.