وقد يكون الطلاق نجاة..
زينب علي البحراني*
الزواج حدٌ فاصل بين عالمين في حياة الإنسان، قد تُصبح حياتك أفضل كثيرًا إلى درجة تجعلك تندم على كل لحظة قضيتها قبل أن تكون مع شريك حياتك في بيت واحد، وقد تُطبق عليك تلك القضبان وتهوي بك إلى أدنى طبقات الجحيم، فتندم على لحظة وقوعك في الفخ، ولا تجد خلاصًا من تلك الورطة إلا الموت أو.. الطلاق.
الموضوع لا علاقة له بـ “سوء” أو”حُسن” اختيار، الأمر سيظل محكومًا بقدرٍ كبير من الحظ والصُّدفة والتوفيق من رب العالمين، فالإنسان لا يدخل معرضًا للأزواج والزوجات كما يدخل معرض سيَّارات، ثم يُفاضل بين المميزات و”يختار”، بل يأخذ الرجل أفضل انسانة يُصادفها في طريقه بالنسبة لظروفه، أو الإنسانة التي تُعجب أمه وأخته، بينما تضطر المرأة – لا سيما في المُجتمعات المُحافظة- للموافقة على أفضل السيئين بين من تقدموا لطلب يدها، أو أقلهم عيوبًا، وإن لم يتقدم إلا واحد رضيت به مع عيوبه خوفًا من الضغوطات الأسرية والمُجتمعية والهرمونية، وحتى إن وُفق الإنسان لما يبدو له “أفضل اختيار”؛ قد ينقلب هذا الاختيار إلى “الأسوأ” بعد زمن من الزواج، لأن البشر يتغيرون بحكم المؤثرات البيئية والمُجتمعية والمادية. أحيانًا يكون هناك طريق للإصلاح والاستمرار عندما يكون هناك شيء من المودة ونوايا طيبة ورغبة صادقة في استمرار الأسرة، لكن في أحيانٍ أخرى يكون بقاء تلك العلاقة على قيد الحياة في إطار من المودة والرحمة والقبول مُستحيلاً، ولا يمكن أن تظل صورتها الظاهرية باقية أمام الناس إلا على أنقاض روح الزوج والزوجة، عندها يكون الطلاق طوق نجاة للقادرين على اختياره عن وعي واقتناع.
بعض الناس – رجال ونساء- لا يكفون عن الشكوى من زوجاتهم وأزواجهن مؤكدين أن الحياة مع الطرف الآخر مُستحيلة، لكنهم يرفضون اتخاذ خطوة الطلاق، وهذا يعني إما أنهم “يكذبون” ويحققون مكاسب أخرى من الزواج لا يشيرون إليها، أو أنهم “جُبناء” يخشون تبِعات ما بعد اتخاذ الخُطوة، وفي الحالين يُمكن اعتبار هذا الزواج (بالنسبة لهم وفي ظروفهم) أفضل من غيابه، أما من يملكون شجاعة اتخاذ تلك الخطوة لأنهم يحظون بدعم معنوي جيد من أُسرهم والمحيطين بهم، وبظروف مادية مُناسبة تُمكنهم من عيش حياة كريمة مُريحة بوجود الزواج أو دون وجوده، فهم على الأغلب أشخاص مُتضررين فعليًا من تلك العلاقة السامة، لذا نراهم جادين في انهاء أمرها وفصم عُراها.
بعضهم يُغرقون الدنيا شكاوى من علاقاتهم الزواجية البائسة، ويزعمون أن السبب الوحيد لبقائهم على قيد الزواج هو أطفالهم، لكنك ترى تلك العلاقة تُثمر كُل عام أو عامين عن مولودٍ جديد! ما يجعل الناس يتساءلون في قرارة أنفسهم: “ما هذا الشريك الذي لا يُطيقه وفي نفس الوقت يعجز عن إمساك زمام شهوته عنه إلى درجة تحولها إلى طفل؟!”، وهكذا يستمر الدوران في حلقتهم المُفرغة: لا يمكنهم الطلاق بسبب أطفالهم، يعجزون عن إمساك شهوتهم فيُنجبون أطفال آخرين، يزداد عدد الأطفال الذين لا يمكنهم الطلاق بسببهم، يُحاولون نسيان واقعهم المرير بالعيش والتفكير والعمل والتحدث فقط عن أولئك الأفكار ومشكلاتهم وقضاياهم باعتبارهم المحور الوحيد للحياة الزواجية كي يُقنعوا أنفسهم بأنهم “يُضحون” لأجلهم، وكي لا تُفتح أي صناديق مؤلمة أخرى في تلك العلاقة الممزقة، يكبر أولئك الأطفال مظلومين من أبوين أنانيين في بيئة مشحونة بالبغضاء والكراهية، ثم يرحلون بمجرد استقلالهم تاركين الأبوين في مواجهة تعاستهم التي كانوا يهربون منها، ولا يبقى أمامهما إلا انتظار الموت مُنهيًا تلك المأساة بعد أن فوتوا على أنفسهم فرصة الطلاق في الوقت المُناسب.
الطلاق ليس قرارًا سهلاً يُتخذ لأسباب تافهة يُظلم بها الطرف الآخر الراغب في بقاء هذا الزواج، لكنه قد يكون حلاً حقيقيًا حين تكون دروب التفاهم والإصلاح والحياة المُشتركة كلها مُستحيلة.