تحقيقات

ما سر "انتكاسة" المرأة في الصين؟

25-2-2018  تعرضت المرأة الصينية لتأثيرات واضحة في بلد يتحول إلى اقتصاد السوق، ويحقق نموا متسارعا.

وخلال العقدين الماضيين، بدأت الحكومة الصينية سلسلة من الإصلاحات الجادة، التي وُضعت من أجل تعزيز وتحرير اقتصاد البلاد. لكن نتائج هذه الإصلاحات لم تكن بالضرورة إيجابية بالنسبة للمرأة الصينية.

فتيات في مسابقة مدرسية

ففي ذلك البلد الآسيوي، الذي يُعد أكبر بلدان العالم من حيث تعداد السكان، يتفوق الرجال في العدد على النساء، وبات من اللافت للانتباه أن ترى عددا قليلا فقط من النساء يشارك في سوق القوى العاملة الصيني، مقارنة بالعقود الماضية.

وقد حث الرئيس السابق للحزب الشيوعي في الصين، الزعيم ماو تسي تونغ، المرأة على المشاركة في حمل المسؤولية في المجتمع، وأطلق حينها شعاره الشهير "النساء يرفعن نصف السماء".

وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، كان نحو 90 في المئة من النساء في سن العمل في المدن ينخرطن في القوى العاملة في الصين.

لكن مع انطلاق إصلاحات السوق، التي خلقت المزيد من الشركات الخاصة داخل السوق الصيني، تراجع معدل مشاركة المرأة الصينية في سوق العمل بشكل كبير.

وقد أظهر إحصاء رسمي أجري عام 2010 أن 44 في المئة فقط من النساء في سن العمل ينخرطن حاليا في وظائف.

ورغم أن هذه النسبة قد تكون أعلى بكثير من بعض البلدان المتقدمة، فإنها لا تزال تشكل تراجعا كبيرا بالنسبة للمرأة في الصين.

نساء عاملات في صناعة لعب الأطفال في أحد مصانع الصين شرقي البلاد

وتقول واحدة من منتقدي تلك الإصلاحات في الصين، وهي الكاتبة الاجتماعية زانغ ليجيا، إن تحول الصين من دولة ذات اقتصاد منظم إلى نموذج اقتصاد السوق، أحدث تغيرات كبيرة.

وتقول ليجيا إنه رغم أن ذلك التحول وفر فرصا لكل من الرجال والنساء، وخاصة النساء المتعلمات في المناطق الحضرية، لكنه أدى أيضا إلى انتكاسات أخرى، منها فقدان كثير من الناس لوظائفهم.

وتقول ليجيا: "أعتقد أن المرأة تحملت غالبية التكلفة والأعباء خلال فترة التحول من اقتصاد منظم، إلى اقتصاد السوق. فعلى سبيل المثال، في الشركات ذات الأداء المتدني والمملوكة للدولة، تكون النساء دائما أول من تتخلى هذه الشركات عنهم".

وتروى ليجيا تجربتها الشخصية في كتابها الذي ألفته حول هذا الأمر، بعنوان "الاشتراكية عظيمة".

وبسبب نشأتها فى مدينة نانجينغ، وهي عاصمة مقاطعة جيانغسو شرقي الصين، بدأت ليجيا العمل في سن 16 سنة، في مصنع حربي لصناعة القذائف والصواريخ. وكانت القرية التي تعيش فيها تمثل مركزا سكنيا للعاملين في مصنع محلي، كان يخضع لإدارة وزارة صناعة الطيران.

وتضيف: "كانت القاعدة التي لديهم هي أن النساء اللاتي تبلغ أعمارهن نحو 45 سنة، يُسرحن من العمل في الوحدة التي كنت أعمل فيها". وتؤكد ليجيا أن هذه كانت قاعدة صريحة ومطبقة في ذلك المصنع.

وتعتقد ليجيا أن اقتصاد السوق سمح لمزيد من الشركات بأن تستمر في ممارساتها غير العادلة تجاه المرأة العاملة في الصين.

وتضيف: "قبل ذلك، كان هناك نوع من المساواة بين الجنسين على غرار نموذج الزعيم الصيني ماو، لكن الآن حل التمييز الصريح على أساس الجنس محل ذلك النموذج".

تجتذب الشركات الناشئة في قطاع التجارة الإلكترونية العديد من الشباب من أبناء جيل الألفية، ومن بينهم الكثير من النساء

وتقول ليجيا إنه بات من الصعب بكثير أن تحصل المرأة على وظيفة لأنها أصبحت تطالب بمزيد من الحقوق.

كما باتت بعض الشركات ترفض تعيين النساء في سن الإنجاب. وفي بعض الأحيان، إذا حملت المرأة في طفل جديد، فإنها تُفصل من العمل. وفي أحيان أخرى، تُجبر المرأة على أن تكتب إقرار تقول فيه 'أعد بأنني لن أنجب أطفالا في غضون السنوات العشر القادمة'".

وتشير إحصاءات حديثة إلى أن النساء في المدن الصينية الآن يكسبن نحو 67 في المئة مما يكسبه الرجال. لكن المرأة في المناطق الريفية في الصين تكسب أقل من 56 في المئة مقارنة بالرجل.

وعند النظر إلى بلدان أخرى، قد نجد أن هناك عوامل أخرى عديدة تساهم في هذه الفجوة في الأجور بين الجنسين. لكن في الصين، هناك فرق واحد بارز، وهو سن التقاعد الإجباري الذي يميز أيضا بين الرجل والمرأة.

فالنساء في الصين يجب أن يتقاعدن عند بلوغ 55 سنة من الوظائف الحكومية، بينما يبلغ سن التقاعد لدى الرجال 60 سنة.

ربما تحتاج إلى أن تنظر أيضا إلى النخبة السياسية في الصين، لترى مدى التفاوت بين تمثيل الرجال والنساء في القوى العاملة في هذه المساحة.

فالحزب الشيوعي الصيني يضم امرأة واحدة فقط من بين 25 من أعضاء المكتب السياسي للحزب، بينما لم يحدث أن ضمت اللجنة الدائمة للمكتب السياسيي للحزب أي امرأة على الإطلاق، وهي لجنة أكثر قوة في الصين، وتتكون من تسعة أعضاء فقط.

ويضم الحزب أيضا 10 عضوات فقط من بين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، البالغ عددهم 204.

وتمر الصين حاليا بمرحلة نمو سريع، لكن استمرار وجود مثل هذه المفاهيم التقليدية التي تميز بين الرجال والنساء في الصين سيعني أن أمامها طريق طويل قبل أن تحقق أي تقدم حقيقي في هذا الإطار يعزز من قوة ذلك الاقتصاد الكبير.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى