عن تعقيدات السياسة الخارجية الأميركية
محمد صالح الفتيح*
(تتمة للمنشور السابق)
من الضروري التذكير بأن الجمهوريين وعلى عكس الديمقراطيين يفضلون حالياً تخفيض التورط العسكري في الخارج ويفضلون عقد صفقات سريعة قدر الإمكان. الصفقة الكبرى بين سورية والولايات المتحدة في العام 1990 حصلت في عهد جورج بوش الأب. وعندما بدأ النقاش في الولايات المتحدة منذ حوالي ستة سنوات حول صياغة قانون عقوبات قيصر كان الاعتراض الرئيسي عليه من قبل الجمهوريين وليس الديمقراطيين. وقد نجح الجمهوريون بمنع صدور قانون العقوبات عدة مرات، إلى أن قام الديمقراطيون بإلحاقه بقانون الموازنة الدفاعية الأميركية للعام 2020 مما وضع الجمهوريين، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، بين خيار إقرار القانون أو إسقاط قانون الموازنة الدفاعية علماً أن قانون الموازنة الدفاعية كان متأخراً بحوالي ثلاثة أشهر أساساً.
أما دافع الجمهوريين لمعارضة قانون قيصر فهو الاعتقاد بأنه سيقطع الطريق على أي تعاون محتمل مع روسيا في المستقبل حول الملف السوري، خصوصاً فيما يتعلق بصفقة تقضي بإخراج إيران من سورية وتجنب الولايات المتحدة الحاجة للبقاء لفترة طويلة. وحتى في الوقت الحالي حرصت إدارة ترامب على تأخير تطبيق عقوبات قانون قيصر إلى أقصى حد. فالقانون نص على موعد 17 يونيو/حزيران بصفته الموعد الأقصى لفرض العقوبات (بعد 180 يوماً بعد إقرار قانون العقوبات) وليس الموعد الأقرب المقبول لفرضها. كما أن إدارة ترامب أجلت هذه المرة تطبيق العقوبات على المصرف المركزي السوري لأن مثل هذه العقوبات ستقود إلى مفاقمة الوضع الاقتصادي السوري بشكل كبير ومؤذي لروسيا.
ترامب من جانبه يستمر في الرهان على الصفقات السريعة، كما فعل مع الصين وكوريا الشمالية وحتى إيران حالياً. ما سبق لا يعني أن هناك صفقة كبرى قد فوتت ولكنه محاولة لشرح تعقيدات وتناقضات المشهد السياسي الأميركي. وللإشارة أيضاً إلى ضرورة عدم تبني مقاربة خشبية في التعامل مع المواقف الأميركية وضرورة الاستمرار بمراقبة تغييرات السياسات الأميركية والبحث عن نافذة الفرصة المناسبة في اللحظة المناسبة.