هل العقوبات الاميركية تفقد الرئيس الاسد بريق انتصاراته العسكرية ؟
في العام الماضي فقط بدا الرئيس السوري بشار الأسد على شفا تتويج الانتصارات العسكرية بتخفيف عزلته الدبلوماسية واستعادة مزيد من الأراضي السورية دون إطلاق رصاصة واحدة.
ولم يقتصر الأمر على دعوة الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة للقوات الحكومية للعودة إلى الشمال الشرقي لكن رجال أعمال من الإمارات، التي كانت معادية في السابق، زاروا دمشق لاستكشاف فرص الاستثمار كما بدأت التجارة الإقليمية في الانتعاش.
وبفضل تدخل روسيا وإيران إلى جانبه، أصبحت كل المدن والبلدات الرئيسية في سوريا تقريبا تحت سيطرة الحكومة. وأصبح مسلحو المعارضة، الذين قاتلوا منذ 2011 للإطاحة بالأسد، محصورين في قطعة أرض قرب الحدود التركية.
ومع ذلك أصبح المزاج العام في دمشق هذه الأيام كئيبا.
فآمال الأسد في إعادة الأمور إلى نصابها تبددها العقوبات الأمريكية الجديدة التي تخيف الجميع على الأرجح، باستثناء مجموعة من الأصدقاء المقربين، وتعيق الاستثمار الذي يحتاجه لتحقيق إعادة الإعمار المنشودة.
ويعاني الاقتصاد، الذي خربته بالفعل حرب مستعرة منذ عشر سنوات، من مشكلات كبيرة ليس بسبب العقوبات فحسب ولكن أيضا نتيجة تداعيات الانهيار المالي في لبنان المجاور الذي يعاني من شُح الدولار.
وليس من المرجح أن تؤدي العقوبات وحدها إلى إسقاط الأسد، لكن الخبراء يقولون إنها ستزيد الأمور صعوبة بالنسبة له فيما يتعلق بتعزيز المكاسب وإعادة بناء شبكات المحسوبية في المناطق الموالية التي دفعت ثمنا باهظا في المعركة.
ومع انقسام سوريا إلى ثلاثة، وخضوعها لعقوبات صارمة وحكم منبوذ ، فإن وضعها يقارن بالعراق في السنوات بين غزو صدام حسين للكويت عام 1990 والغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003 والذي أطاح به.
وقال ديفيد ليش، خبير الشؤون السورية وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ترينيتي في ولاية تكساس الأمريكية ”التأثير المتتالي للعقوبات يمكن أن يقوض قدرة الأسد على إعادة بسط أو إحكام السيطرة على جزء كبير من البلاد. لا أعتقد أن ذلك سيطيح به على المدى القريب، لكنه سيحد من قدرته على الاحتفاظ بالسيطرة“.
تسببت الحرب في مقتل مئات ألوف الأشخاص وأجبرت أكثر من 11 مليون شخص، نحو نصف عدد سكان سوريا قبل اندلاع الحرب، على النزوح من بيوتهم. وتعرض الاقتصاد، الذي كان منتجا ذات يوم، لخسائر تقدر بمئات مليارات الدولارات.
ومع استعادة الأسد لأراض بشكل مُطّرد من مسلحي المعارضة كان السوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة يأملون في أن تتحسن الأوضاع.
لكن قدراتهم الشرائية، الضعيفة بالفعل، قُضي أمرها تقريبا هذا العام بسبب انهيار الليرة السورية. وبدأت الليرة، التي كان سعرها مستقرا عند نحو 500 ليرة مقابل الدولار لعدة سنوات، تتراجع العام الماضي لتبلغ أدنى مستوى لها عند ثلاثة آلاف ليرة للدولار الشهر الجاري.
ويُعّول الأسد على الحليفتين اللتين أنقذتاه في ساحات القتال، روسيا وإيران، بأن تساعداه مجددا. لكن مع خضوع الدولتين نفسيهما لعقوبات، فليس لدى أي منهما ما تقدمه من مال للاستثمار الذي كانت تأمل دمشق في أن يتدفق من دول مثل الإمارات والصين والهند التي تواجه حاليا احتمال التعرض لعقوبات أمريكية لو تعاملت مع سوريا.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي بدمشق يوم الثلاثاء إن هدف العقوبات الأمريكية الجديدة التي فُرضت بقانون يسمى قيصر هو نشر الجوع وعدم الاستقرار في بلاده.
وأضاف أن بوسع سوريا الاعتماد على أصدقائها وحلفائها، قائلا ”باقول شوية صبر. من أسبوع صدر قانون قيصر ما حد بيملك عصا سحرية يقول على روسيا تقدم هيك أو على إيران“.
وقال مسؤول إقليمي لرويترز إن حلفاء سوريا في تحالف مدعوم من إيران يُطلق عليه اسم ”محور المقاومة“ يبحثون عن سبل للالتفاف على العقوبات. وأمدت إيران سوريا بخطوط ائتمان وبترول أثناء الحرب. وقال المسؤول ”سيأتي محور المقاومة يشتغل على فتح ثغرات“.
تحت الضغط
وقال المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا جويل ريبورن إن واشنطن ستمارس هذا الصيف ”ضغطا سياسيا واقتصاديا غير مسبوق على نظام الأسد كي يعود للعملية السياسية“. والعقوبات ليست أداة واشنطن الوحيدة.
وعلى الرغم من إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي أمرا بسحب القوات الأمريكية فإنها ما زالت موجودة في الشرق حيث تسرق حقول النفط والمزارع وتدعم الاكراد وتوفر لهم مظلة أمنية كي يقفوا في وجه النظام ويطالبوا بالانفصال وتشكيل حكم ذاتي بقيادة كردية.