الموجة المحمومة لبناء السدود في تركيا تهدف إلى الهيمنة على مستقبل سورية والعراق
عن تركيا وسدودها
صالح الفتيح*
تتوالى الأنباء والصور من سورية والعراق عن انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات بسبب السدود التي تستمر تركيا ببنائها، والتي كان أخرها سد إليسو، على نهر دجلة، والذي بدأ توليد الكهرباء في مايو/أيار. المزاعم التركية هي أن هذه الموجة المحمومة لبناء السدود تهدف لتأمين حاجة تركيا من الكهرباء. ولكن الحقيقة التي تتجنب الحكومة التركية الاعتراف بها هي أن تركيا لا تستهلك سوى 65% من طاقة إنتاج الكهرباء الفعلية والتي بلغت نهاية 2019 ما إجماليه 90 ألف ميغا وات. وذلك حتى قبل أن يبدأ سد إليسو الإنتاج، والذي تبلغ طاقته الإنتاجية 1200 ميغا وات. ماسبب إصرار تركيا على بناء كل هذه السدود؟
أولاً، هو الرغبة بالهيمنة وجعل كل من العراق وسورية راضخين للإرادة التركية. فكيف يمكن لبغداد أن تقوم باعتراض جدي على التوغل العسكري التركي في شمال العراق؟ أو كيف يمكن لدمشق أن تعترض على السياسات التركية وتركيا بيدها أن تسبب موجة من الجفاف في شمال شرق سورية تقود إلى كوارث غذائية واجتماعية وسياسية.
ثانياً، إصرار حكومة العدالة والتنمية على وجه التحديد على التوسع في بناء السدود يخدم المقربين من القيادة التركية في قطاعي الإنشاءات والطاقة وهما المجالان الأكثر فساداً في تركيا واللذان يحظيان بتسهيلات مصرفية غير مسبوقة. ففي يوليو/تموز 2019، وضمن الخطة الإنقاذية التي وضعها وزير المالية، بيرات البيرق (الذي كان قبل ذلك وزيراً للطاقة والموارد الطبيعية) تم توجيه المصارف الخاصة التركية إلى إعادة هيكلة وشطب ديون متعثرة تبلغ قيمتها 20 مليار دولار مترتبة على بعض شركات الإنشاءات والطاقة.
تركيا لن تتخلى عن رغبتها بالهيمنة على كل من سورية والعراق، وحكومة العدالة والتنمية لن تتخلى عن شركات الإنشاءات والطاقة ذات الحظوة. والعراق وسورية أبعد ما يكونا عن امتلاك خطة أو مبادرة للتعامل مع التحدي التركي. لذلك يمكن منذ الآن تصور مدى الهيمنة التركية على كل من سورية والعراق في المستقبل.