الرئيس التونسي يلمّح إلى حلّ البرلمان: لن أبقى مكتوف الأيدي أمام تهاوي مؤسسات الدولة
لمّح الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى احتمال حل البرلمان (دون أن يذكر ذلك صراحة)، في حال استمرار تعطل أعماله، مشيرا إلى أنه لا يبحث عن الصدام مع أي طرف داخل البلاد، ولكنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام «تهاوي مؤسسات الدولة».
من جانب آخر، أثار حضور ممثلي الشرطة العدلية إلى البرلمان لمعاينة تجاوزات الحزب الدستوري الحر (حزب بن علي)، جدلا كبيرا داخل البرلمان، حيث اعتبر الحزب المذكور أنها «سابقة في تاريخ البرلمان، وانتهاك لحرمته»، إلا أن وزارة الداخلية أكدت أن حضورهم تم وفق إذن قضائي، مؤكدة حياد المؤسسة الأمنية تجاه التجاذبات السياسية داخل البرلمان.
وخلال لقاء جمعه مع رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، ونائبيه، وتناول الوضع داخل البرلمان، توجه الرئيس قيس سعيّد برسالة شديدة اللهجة إلى الطبقة السياسية، حيث قال «نجتمع اليوم في ظل وضع غير عادي بالمرة لم تشهده تونس من قبل، فتقريبا تعطلت أعمال مجلس النواب بالكامل، ومجلس النواب من المؤسسات الدستورية التي يجب أن تعمل في ظل الدستور والنظام الداخلي والتشريع العام القائم في البلد. هذا اللقاء يتعلق بالسير العادي لدواليب الدولة، وبالسير العادي لمجلس نواب الشعب الذي لم يتمكن من ممارسة مهامه، بل صار يعيش حالة من الفوضى لا أعتقد أن أحدا من التونسيين يقبل بها».
وأضاف «لا أتعامل مع الإشاعات ولا مع من يقف وراءها، بل أتعامل مع النص الدستوري والتشريع التونسي، وكنت أديت القسم للحفاظ على الدستور، وفي ظل هذه المهمة التي أوكلها إلي الدستور، أعمل على أن تسير دواليب الدولة بصورة طبيعية، ولكنها اليوم للأسف – بالنسبة للبرلمان وعدد من الدواليب الأخرى – لا تسير بشكل طبيعي».
وأشار الرئيس التونسي إلى أنه لا يبحث للصدام مع أي طرف داحل تونس.
وأوضح بقوله «للمرة الألف أقولها وليسجلها التاريخ: أنا لست في صدام مع أيّ كان ولا أبحث عن تصادم مع أي جهة كانت، بل أعمل في نطاق القانون والاحترام وفي إطار تحقيق إرادة الشعب، ومهمتي الأولى هي الحفاظ على الدولة وسائر مؤسساتها، وإرادة الأغلبية المسحوقة في تونس، التي تم تناسي مطالبها وما رفعته من شعارات خلال الثورة».
وأضاف «اليوم لا يمكن أن يستمر الوضع على النحو المذكور، ولدينا من الإمكانيات القانونية ما يسمح بالحفاظ على الدولة التونسية، ولن أبقى مكتوف الأيدي أمام تهاوي مؤسسات الدولة، فالدولة فوق كل الاعتبارات ومؤسساتها يجب أن تعمل بصفة طبيعية وفي إطر القانون».
وأشار إلى أنه «تحصل في كثير من المجالس النيابية في العالم مناكفات تصل إلى حد العنف، ولكن أن يصل الأمر إلى مرحلة تعطيل مؤسسة دستورية، فهذا غير مقبول بأي مقياس من المقاييس. الوسائل القانونية المتاحة في الدستور موجودة لدي اليوم، بل هي كالصواريخ على منصات إطلاقها، ولا أريد اللجوء إليها في هذا الظرف بالذات، ولكن لن أترك الدولة التونسية في هذا الشكل الذي تسير عليه».
وتابع بقوله «أرجو أن نجد حلا لهذا الوضع الذي لا يمكن أن يستمر. النص الدستوري يمنحني من الاختصاصات ما يمكنني من أن أقوم بما يجب أن أقوم به، حفاظا على الدولة التونسية. ربما نعيش اليوم أخطر اللحظات في تاريخ تونس بعد الاستقلال، وعلى الجميع أن يتحلى بروح المسؤولية».
ويأتي خطاب الرئيس التونسي في وقت يطالب فيه عدد من السياسيين والمراقبين بحل البرلمان، في ظل الفوضى الكبيرة التي يعيشها، وحالة التشتت التي أدت إلى فشل حكومتين متتاليتين، حيث لم ينجح رئيس الحكومة المكلف السابق، الحبيب الجملي، بنيل ثقة البرلمان، فيما اضطر رئيس الحكومة الأخير، إلياس الفخفاخ، إلى تقديم استقالته بعد تعرضه لضغوط من حركة النهضة وبعض الكتل البرلمانية، على خلفية تورطه بقضية تضارب مصالح.
من جانب آخر، علق الرئيس التونسي على الاعتراض المتعلق بآلية المشاورات الكتابية التي تعتمدها الرئاسة لاختيار رئيس حكومة جديد، حيث قال «المشاورات الحالية لها مجرى كتابي كما حصل في المرة السابقة، ولا شيء يمنع أن تكون كتابية لأن النص الدستوري لم يتعرض لكيفية إجرائها، وقد تمت المشاورات في المرة الماضية كتابيا، وكان الأمر أكثر وضوحا بالنسبة للترشيحات، وإن كان للبعض احتراز حول المسألة المتعلقة بكيفية إجراء المشاورات، فلماذا قبِل بها في المرة السابقة، ويتحفظ عليها اليوم؟».
على صعيد آخر، أثار حضور ممثلين عن الشرطة العدلية إلى البرلمان لمعاينة تجاوزات الحزب الدستوري الحر احتجاجات، حيث وصفت رئيسة الحزب عبير موسي هذا الأمر بأنه «انتهاك لحرمة البرلمان وسابقة في تاريخ البلاد».
كما اعتبر النائب عن الحزب كريم كريفة أن هذا الأمر «سابقة نادرة في تاريخ البرلمانات في العالم»، مشيرا إلى أن نواب الكتلة طالبوا مملثي الشرطة العدلية بإبراز إذن كتابي من وكيل الجمهوري، يخولهم الدخول للبرلمان، لكنهم لم يقوموا بذلك، فيما أعلنت وزارة الدّاخلية، في بلاغ أصدرته الإثنين، أنّ وجود وحدات من إدارة الشّرطة العدليّة في مقر البرلمان «كان بناء على تعليمات من النّيابة العموميّة بالمحكمة الإبتدائية في تونس العاصمة، وذلك بغاية معاينة الوضعيّة بداخله».
ودعت الوزارة إلى النأي بالمؤسسة الأمنيّة عن جميع أنواع التّجاذبات، مؤكّدة «وقوفها على نفس المسافة من جميع الحساسيّات السياسيّة، حتّى تتفرّغ لمهامها الوطنية الأساسيّة المتمثّلة في حفظ أمن المواطنين والمحافظة على مناعة التّراب الوطني في كنف التّقيد التّام بالإجراءات القانونيّة».