اتفاقية الحدود البحرية مع اليونان.. هل تنازل السيسي عن حقوق مصر نكاية في تركيا؟
المصالح الاقتصادية أم المكايدة السياسية أم كلتاهما؟ ربما يكون هذا السؤال هو مفتاح الإجابة عن الجدل الكبير الذي أثاره توقيع مصر لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان بما يضر تركيا ويخصم بعضا من حقوق مصر في المنطقة الغنية بالطاقة.
في الأسبوع الماضي، وقعت مصر واليونان اتفاقا في القاهرة، بعد جولات طويلة من المفاوضات شملت 12 جولة فنية، مما يعكس تردد القاهرة بشأن تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدولتين في شرق البحر المتوسط وهي منطقة تضم احتياطات واعدة بالنفط والغاز.
واعتبرت وزارة الخارجية التركية أنه لا قيمة للاتفاقية، مضيفة “كأنها لم تكن لأنه لا حدود بحرية بين اليونان ومصر وستتصرف تركيا وفق هذا المفهوم في الميدان وعلى الطاولة”.
المثير أن تناول الإعلام المصري للاتفاقية اتسم بلغة الشماتة والنكاية السياسية تجاه تركيا، حيث جاءت عناوين الأخبار والتقارير والمقالات من قبيل أن الاتفاق ينهي “الأطماع التركية” في منطقة شرق المتوسط، وأنه “يبطل اتفاق أنقرة مع حكومة السراج في ليبيا”، وأنه “صفعة قوية لأردوغان”.
وابتعدت التغطية الإعلامية عن شرح ومقارنة سيناريوهات المكاسب والخسائر الاقتصادية والسياسية لمصر في حال ترسيم الحدود البحرية وفقا للرؤية اليونانية أو التركية. وهو ما دفع البعض للقول إن الاتفاقية بالأساس نكاية في تركيا وليس لتحقيق مصالح مصر الاقتصادية.
توصيات داخلية
يستند أصحاب نظرية النكاية السياسية إلى أن حقوق مصر وفقا للرؤية التركية أكبر من التي حصلت عليها في الاتفاقية اليونانية، لكن السلطات المصرية تقول إن القانون الدولي في صف الرؤية اليونانية وليس التركية.
والشهر الماضي، كشف المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أن بلاده وجهت الدعوة إلى مصر واليونان بالإضافة إلى ليبيا لترسيم الحدود البحرية شرقي البحر المتوسط.
وفي يونيو/حزيران الماضي قال موقع “مدى مصر” إن “وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة المصرية يضغطان على الرئيس المصري لقبول الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا في هدوء، إذ سيمنح القاهرة امتيازا بحريا ضخما في المفاوضات البحرية المتعثرة مع اليونان”.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي نشرت قناة الجزيرة مباشر وثائق حصرية تكشف تجاهل السيسي لتوصية الخارجية المصرية برفض الطرح اليوناني لتعيين الحدود البحرية، خاصة أن تمسك اليونان برؤيتها يؤدي لخسارة مصر 7 آلاف كلم مربع من مياهها الاقتصادية، كما يؤثر على أحقية مصر في تعيين الحدود مستقبلا مع تركيا.
وفي تصريحات سابقة للجزيرة نت، انتقد أكاديميون مصريون تفريط مصر في ثرواتها من خلال ترسيم حدودها البحرية مع قبرص واليونان، حيث يرى المحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية، نايل الشافعي، أن ترسيم الحدود مع اليونان يعني “تنازل مصر عن شريط مائي كبير المساحة لصالح أثينا”.
وتوقع وكيل لجنة الصناعة والطاقة بالبرلمان السابق، مصطفى محمد مصطفى، حينها ألا تستجيب مصر لدعوة تركيا لترسيم الحدود البحرية بينهما، قائلا “ترسيم الحدود البحرية مع أثينا وفقاً للرؤية اليونانية سيترتب عليه خسائر كبيرة لمصر، في حين أن ترسيمها مع تركيا سيحقق لها مكاسب كبيرة من خلال منحها مساحات بحرية أوسع في مناطق غنية بالثروات الطبيعية”.
استهداف تركيا
عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري سابقا، محمد عماد صابر قال “من الواضح أن الاتفاقية تستهدف تركيا بالمقام الأول، ومحاولة لتعطيل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها تركيا مع ليبيا، وقطع الطريق على تنقيبها عن الغاز، وخصم من حقوقها، واستباق لحوارها المفترض مع اليونان”.
وفي حديثه للجزيرة نت اعتبر صابر أن الاتفاقية رد مصري على التطورات في ليبيا واستباق للحوار التركي اليوناني، وورقة قوة يونانية.
وشدد صابر على أن الحقيقة الجيوسياسية تقول إن مصلحة مصر في اتفاقها مع تركيا، كما أن الاتفاق التركي الليبي يصب في مصلحة مصر، لكن توقيع نظام الانقلاب الاتفاق مع اليونان دليل إضافي على تقديم المناكفات والمكايدات السياسية على المصالح الحيوية والأمن القومي المصري.
ولفت إلى أن تقاسم كل من مصر واليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل مياه البحر المتوسط يعني باختصار حصار تركيا وعدم ترك شيء لها، مشيرا إلى أن كل ذلك يزيد من احتمالات التوتر والتصعيد في شرق المتوسط؛ لذلك من الصعب توقع حل قريب في ظل تراكم الملفات الخلافية وتعقدها وتداخلها.
استفزاز وتفريط
من جهته قال الخبير الاقتصادي التركي وعضو جمعية رجال الأعمال الأتراك يوسف كاتب أوغلو، إنه لا يمكن إخراج تركيا من منطقة شرق المتوسط؛ فهي لاعب إقليمي كبير ورئيسي، مقارنة بدول أخرى، ولا يمكن أن يكون هناك تفاهمات في ترسيم الحدود من دونها، فهي ثاني أكبر جيش في الناتو، ولها وزنها العسكري والاقتصادي، كما أنها لم توقع على قانون البحار لعام 1982، ولذلك هي غير ملزمة به لأنه مجحف في مسألة المحاصصات المائية.
وفي حديثه للجزيرة نت ألقى الخبير التركي باللوم على النظام المصري في محاولة تأجيج الوضع، قائلا “تجاهل مصر لتركيا واضح تماما، ليس مصر كدولة بل كرئيس وحكومة، فهي تستعدي تركيا، وتختلق الأزمات سواء في ليبيا أو في شرق المتوسط، ولذلك نجدها تحاول شيطنة تركيا إعلاميا وسياسيا، وأتوقع أن النظام المصري يهدف إلى إعاقة الاتفاقية التركية الليبية من أجل تأجيج الوضع، علما بأنها أعطت مصر نحو 28 ألف كيلومتر مربع في منطقتها الاقتصادية.
واختتم حديثه بالقول لا بد أن نقول هناك من يريد أن يشعل فتيل أزمات وربما يصل لحد المواجهات العسكرية وإشعال فتيل الحرب في شرق المتوسط، التي تضم مخزونا هائلا من النفط والغاز، مشيرا إلى أن إسرائيل هي المستفيدة من هذه الاتفاقيات لأنها تريد تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر اختراق المياه الإقليمية التركية الليبية، ولن تسمح أنقرة بالتعدي على سيادتها وحدودها.
بين المؤيدين والمعارضين
في المقابل، أشاد وزير النفط المصري الأسبق أسامة كمال بالاتفاقية مع اليونان، قائلا إنه “بناء على تلك الاتفاقية الموقعة، يمكن لمصر واليونان القيام بكل عمليات البحث والتنقيب كل في منطقته الخالصة، دون مشاكل”.
وأشار كمال في تصريحات صحفية إلى إمكانية أن تقوم شركات التنقيب العالمية بضخ استثمارات في تلك المناطق بعد أن اكتسبت الصفة القانونية، وثبت خضوعها للدولة صاحبة الحق في البحث والتنقيب عن الثروات، وهو ما ليس حقا لتركيا، على حد قوله.
على الجانب الآخر أعلنت شخصيات مصرية معارضة في الخارج رفضها التام الاعتراف باتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مصر مع اليونان، الخميس الماضي، ووصفوه “بالجريمة”، معتبرين الاتفاق والعدم سواء.
واتهموا النظام المصري، في بيان مشترك، بالتفريط في حقوق مصر، بداية من التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص في ديسمبر/كانون الأول 2013، ثم إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة الإثيوبي في مارس/آذار 2015، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين في أبريل/نيسان 2016.