تونس

ساعات قبل الإعلان عنها.. الغموض يلف مواقف الأحزاب من حكومة تونس

وسط غموض غير مسبوق، تتصاعد التخمينات في تونس قبل ساعات من الإعلان الرسمي عن التشكيلة الحكومية الجديدة التي يترأسها رجل القانون هشام المشيشي القادم من خارج منظومة الأحزاب، ولم تحسم الأحزاب الكبرى بعد مواقفها النهائية حول منحها الثقة من عدمها.

وسبق أن حسم المشيشي خياره بالذهاب نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، أو “تكنوقراط”، ليقطع بذلك مع دعوات وجهتها له أحزاب كبرى بتكوين حكومة سياسية تراعي نتائج الانتخابات التشريعية وتمثيل الكتل البرلمانية.

ويحظى المشيشي بثقة رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي كلفه بتشكيل الحكومة في 25 يوليو/تموز الماضي، بعد أن تبوأ عدة مناصب إدارية أبرزها المستشار القانوني للرئيس، ليخلف بذلك رئيس الوزراء المستقيل إلياس الفخفاخ الذي تلاحقه تهم بالفساد وتضارب المصالح.

وبحسب ما رشح من تسريبات للقائمة الحكومية الجديدة، التي اختار لها المشيشي أن تكون مصغرة من 23 وزيرا- أثار بعض أعضائها لغطا يتعلق بقربها من دوائر رئيس الجمهورية، على غرار المرشح لمنصب وزير الداخلية توفيق شرف الدين الذي قيل إنه قاد الحملة الانتخابية لسعيد بمحافظة سوسة الساحلية.

وطرح ترشيح علي الكعلي الخبير بالصيرفة المالية المعروف بتوجهه الليبرالي لنيل حقيبة اقتصادية تدمج ثلاث وزارات (المالية وأملاك الدولة والاستثمار الخارجي) جدلا حول طبيعة السياسات الاقتصادية التي ستنتهجها الحكومة في ظل أزمة اجتماعية خانقة.

غموض وتريث

واختارت التريثَ الأحزابُ ذات التمثيل النيابي الأكبر بالبرلمان -على غرار حركة النهضة (54 مقعدا) و”قلب تونس” (27) و”ائتلاف الكرامة” (19)- وعدم إعلان موقف رسمي من حكومة المشيشي، قبل الكشف عن القائمة الاسمية الكاملة للوزراء وبرنامج عمل الحكومة.

وعبر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي -خلال مؤتمر صحفي بمحافظة صفاقس- عن رفضه لحكومة كفاءات مستقلة، مشيرا بالمقابل إلى أن الموقف النهائي لحزبه سيقرره مجلس الشورى الذي سينعقد خلال الساعات القادمة.

وشدد الغنوشي على أن تشكيل حكومة كفاءات مستقلة “مسألة مجانبة للديمقراطية، وعبث بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه” داعيا إلى ضرورة تغيير القانون الانتخابي بسبب فشله في إفراز أغلبية قادرة على الحكم، وفق تقديره.

ويقول النائب عن النهضة محمد القوماني للجزيرة نت إن ما توفر من تسريبات للقائمة الاسمية لوزراء حكومة المشيشي يفند ما صرح به الرجل من حكومة كفاءات مستقلة، مضيفا “لم نر عنصر الكفاءة ولا الاستقلالية في بعض الأسماء المسربة بل إن بعضهم تجمعه علاقات قرابة ومصالح بأحزاب سياسية بعينها ولوبيات تجعلنا نتريث في أخذ القرار”.

ولفت بالمقابل إلى أن البلاد لا تتحمل عبء انتخابات سابقة لأوانها، ولا إطالة مدة الفراغ الحكومي، معبرا عن أسفه من أن يكون توجه أغلب الأحزاب لمنح الثقة “لحكومة الرئيس” من باب الضرورة وتغليبا للمصلحة الوطنية “حتى وإن كانت في حل من دعمها سياسيا بعد أن تم إقصاؤها من المشاورات” حسب قوله.

وشدد على أنه حتى وإن منحت الكتل البرلمانية الثقة لحكومة المشيشي “فلن يعطيها ذلك شيكا على بياض لضمان تواصلها واستقرارها لاحقا، في ظل غياب حزام برلماني داعم لها وفرضها من قبل رئيس الجمهورية دون مراعاة لطبيعة النظام السياسي شبه البرلماني القائم”.

من جانبه، أوضح الناطق الرسمي باسم “قلب تونس” محمد الصادق جبنون -في حديثه للجزيرة نت- أن موقف حزبه من حكومة المشيشي سيتحدد على ضوء إعلانه للتشكيلة النهائية وبرنامج عمل الحكومة، لافتا إلى أن المشهد الحكومي برمته يغلب عليه الغموض والارتباك.

وانتقد جبنون إطالة المشيشي لمشاورات تشكيل حكومته وتغييب الأحزاب عنها دون مراعاة الظرف الاقتصادي والصحي الاستثنائي الذي تمر به البلاد “والذي يتطلب توافقا وطنيا وإجماعا بين مختلف الأطراف السياسية”.

وبخصوص التسريبات المتعلقة بأسماء وزراء بعينهم، دعا جبنون رئيسَ الحكومة أن يراعي مبدأ التوازن بين السلطات، وأن يحترم طبيعة النظام السياسي القائم سيما في اختيار وزارات السيادة.

وفي سياق متصل، عبر القيادي في “ائتلاف الكرامة” عبد اللطيف العلوي عن خشيته من محاولات لرئيس الجمهورية، وعلى ضوء التسريبات الحكومية، السيطرة على مفاصل الدولة، من خلال تعيين شخصيات قريبة منه سيما المرشح لمنصب وزير الداخلية.

وأكد العلوي للجزيرة نت أن موقف حزبه سيتحدد على ضوء القائمة الرسمية التي سيعلنها المشيشي، مشيرا بالمقابل إلى أن مسألة التصويت من عدمه تخضع لعدة اعتبارات سيأخذها الحزب بعين الاعتبار تتعلق بالمسار السياسي برمته.

مناورات سياسية

ووسط التردد والغموض الذي يحيط بمواقف الأحزاب سيما الكبرى منها والتي لم تحدد بعد موقفها من حكومة المشيشي، يتحدث مراقبون عن فرضيتَيْن، فإما إسقاط الحكومة وعودة المبادرة الدستورية لرئيس الجمهورية لحل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، وهو أمر مستبعد، أو التصويت بحكم الضرورة، ثم سحب الثقة من الحكومة لاحقا.

وفي هذا السياق، تحدث القيادي بحركة النهضة عبد اللطيف المكي محذرا في تدوينة -عبر صفحته على فيسبوك- عن عواقب الفرضيتين، داعيا الجميع للحكمة وعدم التعجل في إصدار القرارات.

وفي وقت لم تحسم أحزاب موقفها من حكومة المشيشي، تراوحت مواقف أحزاب أخرى بين الرفض والتأييد، حيث أعلن “المجلس الوطني لحركة الشعب” قراره بمنح الثقة للحكومة القادمة، في حين أكدت مصادر من داخل “التيار الديمقراطي” للجزيرة نت قرارها بعدم التصويت للحكومة.

يشار إلى أن المهلة الدستورية لإعلان المشيشي عن القائمة النهائية لحكومته تنتهي يوم 25 أغسطس/آب الجاري، على أن يحدد مكتب البرلمان جلسة عامة للتصويت على منح الثقة من عدمها خلال الأيام القادمة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى