حكومة المشيشي تعيد رسم خارطة التحالفات بتونس
مثّل الانقسام السياسي الدائر حول حكومة هشام المشيشي، والتجاذبات بين قصر قرطاج والبرلمان، منعرجا حاسما نحو تشكيل الأحزاب لخارطة تحالفات جديدة ستدفع بحسب مراقبين لإعادة خلط الأوراق وتشكيل مشهد برلماني جديد.
وأعلنت قيادات من “قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” و”النهضة” تكوين جبهة برلمانية تجمع 120 نائبا -فضلا عن مستقلين- ستكون بمثابة حزام سياسي لحكومة المشيشي غير المتحزبة، والتي منحها البرلمان الثقة في الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري بأغلبية مريحة.
وكان الناطق باسم “ائتلاف الكرامة” سيف الدين مخلوف قد كشف رسميا -في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك- دخول حزبه في حزام برلماني يضم أكثر من 120 نائبا، ستكون من أبرز اهتماماته تشكيل محكمة دستورية وتنقيح القانون الانتخابي وتمرير جملة من القوانين ذات الفائدة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
وسبق أن جابهت حكومة إلياس الفخفاخ صراعات بين الكتل الحزبية الداعمة لها (التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وحركة النهضة) عرقلت بحسب قيادات حزبية عمل الحكومة، وعطلت تمرير مشاريع قوانين بسبب هشاشة الحزام البرلماني الداعم له وانفراطه.
حزام برلماني للحكومة
وأكد الناطق الرسمي باسم حزب “قلب تونس” الصادق جبنون، في تصريح للجزيرة نت، دخول حزبه في جبهة برلمانية تضم كلا من “ائتلاف الكرامة” وحركة “النهضة” و”كتلة المستقبل”س وبعض النواب المستقلين، ستكون بمثابة الحزام السياسي الداعم لحكومة المشيشي.
وشدد جبنون على سعي حزبه، من خلال هذا التحالف البرلماني المفتوح على جميع الأطياف السياسية، لإيجاد نوع من الاستقرار السياسي يكون بمثابة الأرضية التي تمكن حكومة المشيشي من العمل في أريحية على خلاف سابقه إلياس الفخفاخ.
ورفض الناطق باسم “قلب تونس” ما وصفه بتكرار سياسة الإقصاء التي انتهجها رئيس الحكومة السابق من خلال رفضه تشريك “قلب تونس” في مشاورات تشكيل حكومته، لافتا إلى أن التحالفات الجديدة اقتضتها الضرورة ودقة المرحلة سياسيا واقتصاديا.
وكان رئيس الحكومة قد التقى بعد يومين من تنصيبه رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي والذي يعد الغريم السياسي لرئيس الجمهورية قيس سعيد، في مؤشر على تغير التحالفات وموازين اللعبة السياسية.
وخلف التقارب بين الغريمين السياسيين السابقين (قلب تونس وائتلاف الكرامة) موجة جدل وانتقاد واسعتين ، حيث سبق أن أعلنت قيادات هذين الحزبين عن استحالة التوافق فيما بينهما والدخول في تحالف حكومي موحد.
وتبرر قيادات من “ائتلاف الكرامة” تحالفها مع “قلب تونس” بأنه كان نتاج حالة الصد الذي وجدته من أحزاب أخرى سيما “التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب” مشددة على أن هذا التحالف اقتضته الضرورة.
ويقول النائب عن حركة “النهضة” محمد القوماني للجزيرة نت إن حكومة المشيشي غير المتحزبة منحت الأحزاب السياسية فرصة لمراجعة أخطائها والقيام بتقييم ذاتي، في سبيل تدارك تداعيات مواقفها السابقة وطبيعة تحالفاتها.
ودعا القوماني الأحزاب السياسية للكف عن المناكفات والصراعات، وإعطاء فرصة للحكومة الجديدة للعمل في أريحية، مشيرا إلى أن الجبهة البرلمانية التي انضمت لها “النهضة” -والمتكونة من 120 نائبا- ستكون بمثابة رسالة طمأنة من الأحزاب للمشيشي.
ولفت إلى أن الجبهة البرلمانية لاتزال مفتوحة على باقي الأحزاب والقوى السياسية على غرار كتلتي “الإصلاح” و”تحيا تونس” في البرلمان، وذلك بهدف خلق نوع من التوازن والانسجام بين الحكومة والبرلمان، ومنح المشيشي فرص النجاح.
وشدد الفوماني على أن التحالفات الجديدة ستعمل على استكمال الاستحقاقات السياسية، وفي مقدمتها تنصيب المحكمة الدستورية المعطلة منذ سنوات، وتنقيح القانون الانتخابي، واستعجال النظر في مشاريع قوانين أخرى.
وأكد القيادي بالنهضة -في ختام حديثه- على أن المشهد البرلماني والسياسي، ما بعد تنصيب حكومة المشيشي، يشهد تغيرا ملحوظا في علاقة بمن اختار التموقع في المعارضة كـ “التيار الديمقراطي” وحركة “الشعب” و”الدستوري الحر” ومن اختار دعم حكومة المشيشي.
ووسط هذه التجاذبات السياسية ولعبة التحالفات، يخشى مراقبون من أن تصاب أحزاب محسوبة على الخط الديمقراطي والثوري بمعضلة التصدع والاندثار التي أصابت أحزاب اليسار سابقا، سيما بعد إعلان أمين عام حزب “التيار الديمقراطي” محمد عبو عن قراره المفاجئ بالانسحاب من الحياة السياسية ومن قيادة الحزب.
ويشدد خالد الكريشي النائب عن الكتلة الديمقراطية -التي تضم كلا من حركة “الشعب” و”التيار الديمقراطي” أن الكتلة لاتزال صلبة ومتماسكة في البرلمان، بعد أن اختارت التموقع في المعارضة ورفضت منح الثقة لحكومة المشيشي.
وأضاف أن الكتلة تعمل حاليا على توسيع حجمها داخل البرلمان وتطعيمها بنواب مستقلين، نافيا أي إمكانية للتحالف مع كتلة عبير موسي في البرلمان لاختلاف الرؤى والسياسات، وفق قوله.