حرب باردة بين فرنسا وتركيا ؟
قلم الاستاذ مراد سامي
أحدثت الصّور المسيئة لنبيّ الإسلام محمّد (ص) وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة ضجت كبيرة في العالم العربيّ والإسلاميّ، وقد أعربت دول كثيرة عن رفضها لهذه الرسومات معتبرة إيّاها استفزازا لمشاعر حوالي ملياريْ شخص في العالم. من بين الدّول التي عبّرت عن غضبها هي تركيا، إذ قام الرئيس التركيّ بتصريح صحفيّ حادّ و صف بالمتهور ردّ فيه على أقوال ماكرون، لتجيب فرنسا بطريقتها الخاصّة باستدعائها لسفيرها بأنقرة للتشاور معه .
هذا و قد قامت شارلي ايبدو برسم صور كاريكاتوريّة لأردوغان , ردا على مهاجمته لسياسات الصحيفة الساخرة حيث اتهمها الرئيس التركي بالسعي لاستفزاز مشاعر المسلمين و عدم احترام حرية العقيدة و التدين .
بعد تبادل التّهم من الجانبيْن، من الواضح أنّ العلاقات الفرنسيّة التركيّة قد دخلت مرحلة حسّاسة، ومن المرجّح أن يزاد الوضع سوءًا بين الطّرفين، حيثُ أنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عُرف بتصريحاته الصداميّة وبتصعيده المتواصل في اللحظات الحساسة. في الجهة المقابلة، لا يبدو أنّ فرنسا أو الرئيس الفرنسي ماكرون مستعدّان لسحب الرسوم الكاريكاتوريّة المسيئة لأردوغان.
من ناحية أخرى، لوحظ أنّ قيادة حماس في تركيا لم تصدر بيانًا إلى اللحظة لاستنكار سخرية شارلي ايبدو من أردوغان، وهو ما أثار استغراب البعض، خاصّة وأنّ المعروف عن العلاقات التركية الحمساويّة كونها وثيقة.
بعض المحلّلين السياسيّين أرجع هذا الفتور من جانب حماس إلى الخلافات الأخيرة بين الجانبيْن، حيثُ كشفت صحيفة التايمز البريطانيّة عن وجود خلية استخباراتية
تابعة لحماس وناشطة في تركيا , و من المرجّح أنّ هذا الملفّ قد أحدث توتّرًا حادا في العلاقات بين الطّرفين، وهو ما يفسر هذا الفتور.
و تسعى حركة حماس الإسلامية للضغط على أنقرة لتخفيف المراقبة الأمنية المكثفة على أعضائها المقيمين في تركيا فمنذ كشف صحيفة التايمز البريطانية عن العمليات الاستخباراتية التي تجريها حماس على الأراضي التركية بدأت الحكومة التركية بسحب البساط عن حماس في خطوة تهدف أساسا لاستعطاف العالم الغربي عبر التشديد على احترام تركيا لالتزاماتها الدولية في هذا الخصوص.
هذا ويُذكر أنّ تركيا في الآونة الأخيرة قد تسبّبت عبر سياساتها الصداميّة في أكثر من مشكلة دبلوماسيّة مع دول الجوار آخرها مع مصر واليونان. بعض الدول العربية والإسلاميّة الأخرى استنكرت تصريحات ماكرون والرسوم الكاريكاتورية المسيئة لمحمد (ص) دون الدّخول في صدام حادّ مع فرنسا أو رئيسها وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى سياسة أردوغان الصداميّة.
من الواضح أنّ التحركات الجيوسياسيّة في منطقة الشرق الأوسط متواصلة، ما سينعكس بالضرورة على المشهد السياسيّ في السنوات القليلة القادمة.