العقل و الكومبيوتر
محمد رضا
كاتب متخصص في السينما
جون سيرل هو فيلسوف أميركي متخصص فيما يعرف بـ«فلسفة العقل واللغة» وله نظريات واسعة الانتشار حول قضايا العقل والبال والضمير (أو انعدامه) والتواصل الاجتماعي وما هو صحيح أو خطأ في مفهومنا للعقل. كيف يعمل؟ ماذا يفعل؟ وهل هو «كومبيوتر» أو لا؟
على «يوتيوب» تجد له محاضرة من 15 دقيقة شاهدها حتى الآن مليون و400 ألف مشاهد تقريباً. ما يهمني منه ما قرأته في مكان آخر، إذ قال جواباً عن سؤال حول ما هو «الكومبيوتر»:
«النافذة التي أمامي هي كومبيوتر بسيط جداً: نافذة مفتوحة = 1. نافذة مغلقة = 0». حال قرأت ذلك تبدى لي أن كل شيء آخر قد يكون «كومبيوتر» بسيطاً جداً بما في ذلك ساعة الحائط، وإذا كانت المسألة مسألة فتح وإغلاق، فإن حنفية الماء هي أيضاً كومبيوتر قائمة على حركتين. لا تستطيع نقل الأخبار وعرض البرامج وإجراء الحسابات، لكنها تفتح = ينزل الماء. تغلق = تقفل الماء.
لو جاء هذا الاستنتاج من عندي لشككت بالأمر، لكنه جون سيرل الذي يوضح فيقول في كتاب له عنوانه «غموض الضمير»، إن عقل الإنسان هو بطبيعة الحال كومبيوتر وعلى درجة أكبر من التعقيد، يقول مثلاً إن هناك أشياء كثيرة يستطيع العقل البشري القيام بها ولا يستطيع الكومبيوتر أن يفعلها، لكنه لا يوافق على أن المخ هو كومبيوتر، بل هو أعلى منه بدرجات.
بصرف النظر عن كم هو أعلى أو أقل، فإن التوصل إلى هذه النتيجة ليس مسألة بسيطة. مسألة يضعها الكاتب بول أوستن ميرفي في العدد الجديد من «فيلوزوفي ناو» نتيجة لسلسلة من الخطوات؛ أولاً: كل الماديات ذات الأشكال والنظم يمكن تقليدها.
ثانياً: المخ هو مادة ونظام.
ثالثاً: إذن المخ يمكن تقليده.
رابعاً: إذن المخ هو كومبيوتر.
لكن ما سبق لا يؤكد أن المخ هو كومبيوتر لمجرد أن الخطوات المذكورة تؤدي إلى هذا الاعتبار (إن فعلت). المشكلة هي في النقلة بين إعادة صنع المادة وأصلها. فاختراع الروبوت بمهمات بشرية لا يعني أنه بشري. كذلك الاستنساخ الكامل لبشر أو لحيوان. هو تماثل والتماثل لا يؤكد أن الأصل هو كذلك. وبالتالي، ووصولاً إلى الكومبيوتر الذي أقوم حالياً بطبع هذه الكلمات عليه وتقوم أنت بقراءتها (غالباً) عليه، فإن الكومبيوتر هو استنتاج بمفاهيم عقلانية، لكن هذا لا يعني أن المخ هو أيضاً كومبيوتر، ولا أن الكومبيوتر هو مخ إنساني تمّت ترجمته إلى خلايا إلكترونية و«بيكسلز» وشفرات رقمية.
إنه من نافل القول إذن أن العقل يملك خصائص الكومبيوتر من دون أن يكون «كومبيوتر» يؤدي الأغراض ذاتها. لقد بنى هذا العقل العالم الذي نعيش فيه: اكتشفه. عرف كيف يدافع عن وجوده فيه. توصل إلى حلول لمعظم ما واجهه من تحديات. بنى. أسّس. نظّم. وضع دساتير. ألف روايات وكتب الموسيقى وصنع الأفلام. ابتكر أجهزة وصناعات لا تحصى. بكلمات أخرى: نما وسبب لنا نحن جميعاً نمواً مماثلاً. وبين العقل والكومبيوتر سأفضل العقل في كل يوم.