كتاب وآراء

المرأة لا تشبع من الرجل، ولكن!!

المرأة لا تشبع من الرجل، ولكن!!

فاطمة همة*

 

تنتشر في مجتمعاتنا العربية عموما، مقولات حول العلاقة بين الرجل والمرأة، والتي تُفسرُ أحيانا بشكل خاطئ، أو مضلل، أو مناقض للمعنى الصحيح المراد لها، ومنها. ويتم ترويج المعنى غير الصحيح، ليستقر في العقل الجمعي، الواعي منه، واللاواعي.

وهذه المعاني الخاطئة تؤسس لعلاقات غير صحيحة، وتشكل تصوراتٍ مغلوطة، بشكل رهيب في اذهان الرجال والنساء عن بعضهما البعض. كما أن المعاني المشوهة تحول العلاقة الإنسانية بين الجنسين إلى علاقة مبنية على أساس معوج وغير مستقيم، وهذا ما يؤدي إلى نتائج كارثية في بعض الأحيان على جميع أفراد المجتمع، وليس فقط على النساء لوحدهن أو الرجال لوحدهم.

 

ومن جملة المقولات المضللة، والتي تؤدي إلى نتائج خطيرة، مقولة أن "المرأة لا تشبع من الرجل" و"لا تشبع أنثى من ذكر"، ومرادفاتها. وهي مقولة يتم تأويلها وتفسيرها على أساس أن "المرأة لا تشبع جنسيا من الرجل"، ثم يتم تعميم المراد من "الرجل"، ليصبح "الرجال"، ولاحقا قد تصبح "كل الرجال". وبالتالي تقال العبارة ويراد منها أن "المرأة لا تشبع جنسيا من الرجال". وكأنها "حيوان متوحش وجائع إلى الجنس بشكل بربري، وفي كل لحظة، وفي كل مكان، وكيفما كان وكيفما اتفق". ومثل هذا المعنى الرهيب لعلاقة المرأة بالرجل صار أحيانا جزءاً من الصورة النمطية للمرأة في عقل الكثيرين. وليس هذا وحسب، بل وصار هذا المعنى أساساً لثقافة تدين المرأة، وتحرض عليها، وتسيء الظن بها، وتجعلها مظنة الخطيئة "بالفطرة". وهكذا تنهال الاتهامات عليها، ويليها إساءات تصل إلى حد الغيرة المرضية، والشكوك، والظنون، والأوهام، وهو ما يمهد الأرضية لما يزعم بأنه "جرائم شرف". كل ذلك يستند في العقل اللاواعي للمجتمع على هذه المقولة بعد حملها على أسوأ المعاني والتفاسير والتأويلات غير المعقولة، وغير المرادة بها من الأساس. 

والحقيقة التي يعرفها من عرف المرأة، وسبر أغوارها الحقيقية، وروحها، ونفسيتها، وتكوينها الروحي والعاطفي، هي أن المراد بهذه المقولة بعيدٌ كل البعد عن المعاني الجنسية والجسدية والحسية والشبقية والشهوانية. 

 

المقولة تبقى صحيحة في حد ذاتها، ولكن ليس بالمعنى الخاطئ والمدمر السابق، بل بمعنى أن المرأة بحكم تكوينها الجسدي والروحي تحتاج إلى العاطفة الروحية والمعنوية والمحبة، والوقوف إلى جانبها ودعمها وتقويتها ورفع معنوياتها وقدرتها على تحمل التعب والمعاناة اليومية الدائمة مع الأسرة والأولاد وأعباء الحياة وما يجري فيها عليها. هذا هو المعنى الصحيح للمقولة. 

 

الجوع هنا هو جوع للعاطفة الصادقة، والمحبة، والدعم، والمعنويات، والتحفيز. وهذا الجوع لا يمكن أن يتم إشباعه إلا بعلاقة مستقرة، ودائمة، وصحيحة، وشرعية، وقانونية. هذه العلاقة بين الرجل والمرأة تحتاج للكثير من أجل بنائها، ومن أجل أن تصبح مستقرة، ليتم إشباع هذا الجوع للعاطفة والمحبة والمشاعر من خلالها، ومن خلالها فقط. 

 

هنا يا عزيزتي عليك أن تعلمي الرجل أن هذا الجوع العاطفي لا علاقة له بالجنس والشبق على الإطلاق. وأن آخر شيء يمكن أن تفكر فيه المرأة هو الجنس. وحتى الجنس الذي يبدو هدفا رئيسيا بحد ذاته بالنسبة للرجل، ما هو إلا ورقة بيد الزوجة من أجل ما هو أرفع وأسمى وهو الحصول على محبة زوجها، وعواطفه الرقيقة، ومشاعره الإنسانية، ومحبته الدافئة، ودعمه الرجولي، وتأييده الجارف وتحفيزه الدائم لها. 

 

قولي له يا عزيزتي، شتان ما بين هذا المعنى الرقيق، والناعم، واللطيف، والمتمدن، والإنساني، والإلهي، وبين المعنى الأول الذي يعطي صورة :غول متوحش متعطش لممارسة الجنس بجميع الأشكال الممكنة مهما كانت بربرية وهمجية وخارجة عن قواعد الحشمة والأخلاق والدين والقانون". 

 

حسنا ما العمل؟

العمل يا عزيزتي أن توضحي لرجلك حقيقة الجوع الذي لدى المرأة، وأن تصححي له مفهومه عنه بالشكل اللطيف، والظريف، والمناسب، في الوقت والمكان والشكل المناسب. ولا تَمَلي من إعادته عليه صراحة، وتلميحا، وإشارة، وتفصيلا، حتى يفهمه ويستوعبه ويهضمه الرجل حقاً، ويعيه حق الوعي، ويقتنع به من أعماقه، وعندها ستجدين تغيراً في معاملة الزوج لك، ودعمه إياك، وتحفيزه، وتشجيعه لك. 

 

وهذا يا عزيزاتي إن حصل على نطاق واسع في المجتمع سيؤدي إلى إحداث تغييرات واسعة في نظرة المجتمع عموما لهذه المقولة بشكل واعي وغير واع. وسيتحول مجتمعنا من مجتمع متصحر العاطفة والأخلاق رغم فائض الحديث بالدين والمأثورات الدينية إلى مجتمع متحضر ومتمدن ورقيق المشاعر وفائض بالعواطف والمحبة والحيوية، ومفعم بالحياة الإنسانية الرائعة، والمفاهيم الدينية الصحيحة.

 

يا عزيزتي! علمي الرجل أن جوع المرأة الدائم ليس إلى الجنس الجسدي، بل جوعها إلى الكلمة الحلوة التي يقولها لها زوجها قبل النوم، وإلى الكلمة الحلوة التي يسبقها إليها في الصباح ما أن يراها. وإلى الكلمة الحلوة والابتسامة الرائقة حالما يراها عندما يرجع هو من العمل، أو عندما ترجع هي من عملها أو مشوارها. وحاجتها إلى الكلمة الحلوة تسمعها بعد أن حضرت له ولعائلته أسباب الهناء والراحة والسعادة فضلا عن الطعام والشراب. وإلى الكلمة الحلوة يُسمعها إياها على وجودها الدائم في حياته، تفيض حباً وحناناً ودفئاً وسعادةً وهناءً وسروراً.

 

يا عزيزتي! علمي الرجل أن الذي لا تشبع المرأة منه أبداً هو اللفتات الطيبة التي يقوم بها الرجل تجاهها: من لقمة صغيرة يضعها في فمها، لا لأنها جائعة، أو لا تستطيع أن تمد يدها وتأكل بنفسها، بل تعبيرا عن محبته، وتقديره ودعمه وتحفيزه. ومن وردة صغيرة يشتريها لها ويعود بها إليها، وهي تنتظره في البيت على أحر من الجمر لتطمئن على سلامته.

 

يا عزيزتي! علمي الرجل أن المرأة لا تطلب باقات الورد الغالية الثمن، كما لا تطلب العطور الباهظة القيمة، ولا تطلب غير ذلك من الأشياء الثمينة، بمقدار ما تطلب أن يعبر الزوج لها عما في داخله من الحب والمحبة والمودة، ولو من خلال وردة صغيرة يقطفها من الحديقة إن نسي أن يشتريها من السوق. أو من خلال كلمة حلوة تنسيها كل تعبها ومعاناتها طيلة يوم أو أسبوع أو أكثر في انتظار عودة الزوج الظافرة. أو من خلال لمسة لطيفة حانية لها وهي تعمل في المنزل الساعات الطوال تعد له وله بالذات جميع أسباب الراحة والهناء.

 

  • باحثة ومستشارة أسرية
  •  
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى