كتاب وآراء

ايران الاسلامية واسرائيل والاتفاق النووي

عبد الجليل الزبيدي*

اذن .. بالملخص ايران  باقية في الاتفاق مع البحث عن ضمانات اوروبية .
ربما هو تكتيك  ايراني لتفادي الخروج من الاتفاق  والذي  يعني ان النووي الايراني صار خارج منظومة الرقابة التي فرضها الاتفاق وهذا ما يقدم ذريعة لعملية جوية اسرائيلية تستهدف المنشآت النووية الايرانية  ..
ولكن ماذا لو لم تقدم اوروبا ضمانات مقنعة واكيدة، وخاصة في مجال الاقتصاد والتجارة ،لاسيما تلبية حاجة ايران للعودة الى التعاملات المصرفية العالمية والتي كما نعلم انها تحت السيطرة الاميركية بالكامل ؟ !
 اذا لم يلبي الاوروپيون ذلك حينها سيكون الوضع حرجا لطهران بالتاكيد وعليها البحث عن الخطة باء ..  
فقط اشير  هنا الى  ان الاورپيين ليس فقط انهم غير قادرين على اقامة تجارة بينية وتعاملات مصرفية ثنائية مع ايران . بل انهم معرضون لعقوبات اذا استمرت بعض شركاتهم بالعمل في الجمهورية الاسلامية حسب تصريح مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون بعد اعلان الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي . .
 وهنا اشير الى ان حجم التبادل التجاري بين ايران وكل من : فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا يبلغ سنويا 500مليار دولار معظمه لصالح ايران ..
اما حجم التبادل التجاري بين الدول الاوروبية الاربعة والولايات المتحدة فيبلغ 16 تريليون دولار،  60% منه لصالح اوروبا .. فأيهما سيختار الاوروبيون ، حينما يجد الجد ، وبعد اربعة اشهر حيث تنتهي المهلة الاميركية امام الشىركات الاوروبية لمغادرة ايران ؟؟؟  
ولكن في السياسة ثمة قاعدة هي /
اترك  نافذة يتنفس منها خصمك لكي تستمر اللعبة …
بتقديري ان اسرائيل وادارة ترامب سوف لن يتركا نافذة لايران…وعليه هل ما ادعيه يعني ان ثمة قرار باسقاط نظام الجمهورية الاسلامية ؟
بات من الواضح ان الرئيس ترامب يكتنز في اعماق قلبه حقدا اسودا حيال النظام الاسلامي في ايران ، ويمكنني القول ان هذا الحقد مرده مؤسسات التربية والتأثير النفسي في اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والتي كانت  على علاقة وطيده وحميمة مع دونالد ترامب منذ نحو اربعين عاما  .
واضافة الى ترامب هناك رودني جولياني( عمدة نيويورك الاسبق)  وجون بولتون والشاب الجامح الطموح وزير الخارجية بومبيو ..وهؤلاء الثلاثة تربطهم علاقات وطيدة بلوبيات اخرى تعمل في الاقبية على الاطاحة بالنظام الاسلامي في ايران وممولة في السنوات الخمس الاخيرة من قبل السعودية .  
 واجزم  بانني قرأت واستمعت في عدة مرات لتصريحات معادية ضد ايران صدرت من الثلاثي جولياني وبولتون وبومبيو وذلك قبل خمسة وعشرين عاما اي قبل جعجعة الاتفاق النووي باكثر من عقدين .
واشير هنا الى ان جولياني يدير شخصيا شبكة علاقات عامة متعاقدة مع جماعات المعارضة الايرانية في نيويورك ، اما جون بولتون فهو لا يخفي التصريح علنا برغبته بزوال النظام الاسلامي في طهران منذ عهد الرئيس جورج دبليو بوش  .
مفارقة هامة وهي ان هؤلاء الثلاثة ومعهم الرئيس ترامب ،يشتركون في عقيدة العداء للاسلام وبصورة مباشرة وقد اعتادوا على استخدام مصطلح الاسلام والاسلاميين عند الحديث عن الارهاب .
ومن الناحية العقائدية ، يمكن القول  ان هؤلاء الاربعة الحاقدون ، جاؤا  من اقصى اليمين البروتستانتي المتصهين .. والذي ينتمي اليه معظم قادة الحزب الجمهوري والذين يعتقدون بضرورة بقاء ( دولة اليهود) الى حين ظهور المخلص ، كما ويعتقدون بان هذه المهمة هي واجب ديني يتعين الالتزام به وبالتالي يستوجب تسخير السياسة الخارجية الاميركية في الشرق الاوسط وفق هذه المهمة الدينية ، وعلى اساسها يفترض التصدي لكل محاولة لتقويض الدولة اليهودية لحين مجيئ المخلص الموعود .
وبديهي ان المؤسسة البروتستانية المتصهينة .قد درست جيدا العقائد الدينية – السياسية التي جائت بها الثورة الاسلامية في ايران .
وهنا نعود الى عام 1981  حينما قر الامام الخميني اعتيار جمهور الثورة الاسلامية ( امة حزب الله ) وقد حدد اربع نقاط ستراتيجية بعيدة المدى كمنهاج لعمل ومسيرة هذه الامة،  العبادية والسياسية .
* القدس قبلة الثوار *
 واحدة من ابرز النقاط الاستراتيجية  لاهداف امة حزب الله هي ( تحرير القدس كواجب ديني  ..) .
وعلى هذا الاساس تشكل في البداية ( مكتب القدس) في قيادى حرس الثورة الاسلامية والذي تعرض الى كبوة في عام 1987 ، ثم بعده تشكل فيلق القدس وتعاقب عليه عدد من القيادات الى ان استقر تحت قياد اللواء قاسم سليماني .
ولم يعد سرا ان من اساليب ( مكتب القدس ) ثم الفيلق هي إنشاء وجودات ثورية ومسلحة في داخل وفي محيط فلسطين وعلى مقربة من القدس ، فتارة ياخذ هذا التواجد شكل حركات تحت مسمى حزب الله و اخرى على شكل نفوذ ايراني سياسي او  حتى عسكري مباشر كما هو الحال في سورية .
ومن هنا ندرك لماذا جن جنون الولايات المتحدة واسرائيل  ، حيال نجاح ايران في سورية وانتقال حزب الله في لبنان من مستوى المنظمة الى مستوى دولة ، اضافة الى تنامي الحركات المسلحة الشيعية في العراق  والتي تضع في اعلامها وراياتها علامات ترمز الى فيلق القدس، باعتباره الذراع الستراتيجية لتنفيذ عقيدة تحرير القدس وهي مهمة يعتقد ابناء الطائفة الشيعية انها تقربهم من موعد اللقاء مع ( المخلص ) الامام المهدي في المدينة المقدسة .

* اسرائيل في قلب الاتفاق النووي **
 بعد ساعات قلائل من اعلان الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي ، اعلن البيت الابيض عن اربعة عشر مطلبا امام ايران الاستجابة لها مقابل عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق .
الشروط الاربعة عشرة تبدو في اغلبها انشائية وقابلة للبحث والحذف والتعديل اذا قررت ايران التفاوض بشانها .
غير ان الشروط احتوت مطلبين اساسيين هما :    تعهد طهران بالامتناع عن دعم وتمويل كل من حزب الله في لبنان وحركة حماس الفلسطينية ….أما المطلب الثاني فهو ( التوقف عن معاداة دولة اسرائيل وتهديد وجودها ) .. !!
  اذن نحن نقترب من تجسيد ملامح الصراع بين الجانبين اذ ان المطلبين  يكشفان عن الجوانب الدينية والايدلوجية اللتي يتبناها الغرب المسيحي ،وعلى اساسها تقرر التفاوض مع ايران قبل ثلاثة اعوام لصياغة الاتفاق النووي ليكون الاتفاق مجرد محطة استراحة لتعطيل او تجميد عقائد دينية وايدلوجية لدى القادة الاسلاميين في ايران تجاه وجود ( اسرائيل)
وازاء هذين المطلبين اقول وبلاجدال ان ايران : لا ولن تقبل بهذين الشرطين لسبب بسيط وهو ان النقاش فيهما سيسحب المفاوض الايراني الى شرط ثالث بالمحصلة ،ألا وهو الاعتراف باسرائيل كدولة ل( الشعب اليهودي ) .

* نيويورك تايمز عام 1997 *

ان طرح الشروط والمطالب من قبل الولايات المتحدة على ايران  وتضمينها – على الدوام- مسالة الاذعان بوجود ( الدولة اليهودية ), يعود هذا الاسلوب الى عام 1997 . وهنا اقتبس من تقرير مفصل نشرته صحيفة نيويورك تايمز في صيف ذلك العام واعدته الصحافية الشهيرة جوديث كيبر .
يفيد التقرير :
 جرت محادثات بين اطراف اميركية واخرى ايرانية وبوساطة من طرف ثالث واستمرت نحو عام وامتدت من مسقط الى لندن فنيويورك ودارت حول 12 نقطة جوهرية ، جرى تلخيصها فيما بعد في سبع نقاط اساسية .
 كما ويفيد تقرير جوديث كيبر بان النقاط تلخص عرضا اميركيا يقدم لايران فرصة الاعتراف بها كقوة اقليمية رئيسية ولها الكلمة الفصل في قضايا وازمات المنطقة ، اضافة الى عرض واسع تشترك فيه اوروبا الى جانب الولايات المتحدة وينص على ابرام اتفاقية تجارة حرة وتفضيليةمع ايران على ان يتوسع الاتفاق ليرقى الى مستوى معاهدة على غرار المعاهدة السلمية الموقعة بين الصين والولايات المتحدة في عام 1989 واللتي حصلت الصين بموجبها على التكنلوجيا الاميركية المتقدمة الى جانب اعتبارها الشريك التجاري المفضل .  
تقول النيويورك تايمز ان المحادثات توصلت الى نتائج مذهلة ،الى ان قدمت واشنطن ( الثمن ) من هذه المعاهدة حينما طالب المفاوض الاميركي من نظيره الايراني بان على القيادة الايرانية الاعتراف ب( حق اسرائيل بالوجود والبقاء) .. وهنا توقف كل شيئ لتدخل المحادثات مرحلة تكييف صياغة عبارة الاعتراف حيث تنازل خلالها المفاوض الاميركي الى صياغة عبارة قد لا تعني وفق المعايير التقنية اعترافا باسرائيل وذلك مقابل كل هذه الامتيازات الضخمة والاستثنائية المعروضةامام القيادة الايرانية .  
التقرير ختمته الصحافية جوديث كيبر بالقول : ان الصياغة الاخيرة التي رفضتها القيادة الايرانية تنص على القول (( ان من حق اليهود العيش في ارض آمنة ) )  …
ومع رفض هذه الصيغة خسرت ايران فرصة تاريخية حينما تخلت عن الزعامة الامبراطورية في المنطقة من اجل القدس .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى