كتاب وآراء

نظرة في كتاب “نظام التفاهة”

أحمد درزي*

استطاع غسان جديد أن يلخص كتاب مهم وهو أشبه بالكتاب الطبي الذي يهتم بتشخيص أعراض وعلامات المرض ولكن هذا الكتاب يتناول أمراض سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية أصابت غالبية البشر.

كاتب الكتاب آلان دونو وهو كندي
عنوان الكتاب كما يبدو من خلال ما كتبه الكاتب هو "نظام التفاهه" ..
والكتاب حظي باهتمام المفكرين والمهتمين في شؤون السياسة والاقتصاد والمجتمع والفلسفة والثقافة وغيرهم. ويستحق الاطلاع عليه …
سأحاول تقديم بعض الافكار منه لحضراتكم  وتعقيبي عليها .


التفاهة فى اللغة انعدام القيمة والأهمية، وغياب الإبداع والبلادة والغباء، كما تعنى الحقارة والدناءة. وللأسف فإن الكثير من الأحداث والمآسى الكبرى فى حياتنا تحدث إما من أشخاص تافهين أو لأسباب تافهة. والأمثلة على ذلك عديدة ومتعددة، فحوادث الطرق التى يذهب ضحيتها الآلاف من البشر كل عام، غالبا ما يكون سببها تصرفات خرقاء من أشخاص تافهين.وكذلك قصص التحرش الجنسي والتي ترتبط أيضا بأسباب ثقافيه واجتماعيه وتربويه تافهه.


نظام التفاهة.. فتح باب النقاش على الكثير من بواطن الأمور والخفايا والقضايا والإشكاليات والازدواجيات التي نعيشها ونتعايش معها في السراء أو الضراء.. وما الذي فعله ويفعله التافهون بنا وبمصائرنا وبأحلامنا ومجتمعاتنا.. ولهذا يقول دونو ربح التافهون الحرب، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه  ومن الأسباب التي يعزو دونو ذلك إليها تغير مفهوم العمل في المجتمعات. يقول إن المهنة أصبحت وظيفة صار شاغلها يتعامل معها كوسيلة للعيش فقط وليس للاتقان والابداع .

قد تكون التفاهة بلا قيمة من حيث أسبابها ومن يتمثلها ويمثلها، ولكنها من ناحية أخرى كبيرة الأثر، فبسببها يفقد الرجال والنساء والأطفال حياتهم، وبسببها تفقد النساء والفتيات حرياتهم وامنهم ، وبسببها يسيطر أحط الناس وتصبح السلطة أشد غباء وبلادة، سواء كانت سلطة سياسية أو دينية، لأن السلطة فى نظام التفاهة تصدر توافه الأمور وتتفه العقول .ونحن مررنا بزمن أصبح المُهرب والحرامي فيه أهم من كل شهادات الجامعه وعلومها .

والأخطر من تفاهة الجهله وقليلي المعرفه هو تفاهة المتعلمين وأصحاب الرأى أو السلطة أوالمال. لأن من يملك سلطة الكلام لا يمارس تفاهة مجردة، ولكن يتعمد التتفيه، أى اسقاط القيمة عن أشياء ذات قيمة مثل اسقاط القيمة عن العلم  والحقوق والواجبات. فمن يتابع العديد من الفتاوى الدينية لمن يسمون أنفسهم دعاة وأئمة، يكتشف مدى الانحطاط والتفاهة والتتفيه والاستخفاف بالعقول، ولا نقول جديدا عندما نصف أحاديث نجوم الشاشات الجدد بالتفاهة وانعدام القيمة والبلادة. فكما أن هناك سائق متهور تافه يتسبب فى مقتل أبرياء، فثمة رجل دين تافه يحض على الكراهية وقد يتسبب فى قتل أبرياء، وإعلامى تافه لا يقدم لنا سوى بضاعة رخيصة وبلا قيمة. ولكن المشكلة أن هذه البضاعة الرخيصة، وتوافه الأمور باتت ذات أهمية وأثر طالما أن هناك من يقبل عليها ويستهلكها. تماما مثل الإعلانات المنتشرة عن أجهزة إنقاص الوزن وادوية معالجة الصلع والمقويات الجنسية  فهي كلها بلاقيمة ولكنها تحقق أرباحا كبيره جدا وهنا تكمن المشكلة، فللتفاهة سطوة لأنها موجودة ضمن نظام يسمح لها بالوجود ويعطيها وظيفة، فعندما يصبح التشبيح وخرق القانون جزء من النظام  وعندما يكون الحض على الكراهية إيمانا وتقربا إلى الله، فلا نندهش عندما تكون التفاهة عادية ومنتشرة والتتفيه سلوكا ينعم بالرواج.
وعن تأثير أنظمة الحكم في دعم التفاهة يضرب الكاتب مثلاً أنه عندما جاء التكنوقراط في بريطانيا إلى الحكم، استبدلوا السياسة بمفهوم الحوكمة واستبدلوا الإرادة الشعبية بمفهوم المقبولية المجتمعية والمواطن بكلمة الشريك في النهاية صار الشأن العام تقنيه اداريه  لا منظومة قيم ومُثل ومبادئ ومفاهيم عليا، وصارت الدولة مجرد شركة !
أما أنا فأجد أن من التفاهة.. أن تنتقد موضوعاً أو قضية ما.. وأنت تجهل حقائق الأمور ولا تمتلك أوليات الموضوع !، كذلك فإن من “التفاهة” أن تخرج في تظاهرة أو مسيرة احتجاجية وأنت لاتعرف الدوافع ولا الجهات التي تقف ورائها وتمولها كما حدث مع متظاهري الربيع العربي الذي تسبب بكل هذا الموت والخراب .
ومن التفاهة.. أن يبحّ صوتك وأنت تهتف أو تقوم بترديد الشعارات من دون أن تعرف مغزاها أو معناها !
ومن التفاهة أن تردد كالببغاء.. الكلمات التي يرددها الآخرون من دون أن تكلف نفسك عناء مراجعة فحواها.. والتأكد من صحتها أو عدمها !
ومن التفاهة أن تضطرك الأقدار الى محاورة صحفي بمركز مرموق وظيفيا وهو لم يمسك قلماً في حياته.. ولا يتقن من الصحافة سوى لغة الشوارع الخلفية والسطحية..!

وإذا كانت التفاهة تعنى أفعالا بلا قيمة أو أهمية، فإن مجابهتها لن تكون إلا من خلال نظام نقيض يعطى حيزا.

 

 

*المقالات تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة الجريدة الصباحية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى