كتاب وآراء

صندوقراطية اردوغان

*مصطفى اللباد

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، تُجرى يوم ٢٤ يونيو المقبل، في مفاجأة ذات تداعيات تفيض على الحدود السياسية لتركيا. كان مفترضاً حصول الانتخابات في شهر نوفمبر 2019، ولأن التغيير من نظام برلماني إلى رئاسي تم الاستفتاء عليه سابقاً على أن يدخل حيز التنفيذ ابتداء من الانتخابات المقبلة، فيعني ذلك أن أردوغان سيتمتع بصلاحياته الرئاسية الموسعة قبل عام مما كان مقرراً لها، مقابل تقليص صلاحيات البرلمان، وإلغاء منصب رئيس الوزراء. كما يحق لأردوغان وفقاً لذلك الترشح للرئاسة لمرتين إضافيتين مدة كل منها خمسة أعوام، مما يعني قدرته على البقاء على رأس النظام السياسي التركي حتى عام 2028. وفي وجه آخر، يمكن رؤية خطوة أردوغان باعتبارها محاولة للهروب إلى الأمام من مفاعيل الأزمة الاقتصادية التي تضرب تركيا، ومن أزمات المشكلة الكردية المتفاقمة داخل تركيا وفي جوارها. ويترافق الإعلان عن انتخابات مبكرة مع تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور أخرى ولسابع مرة على التوالي، مما يضرب صدقية وحيادية العملية الانتخابية في الصميم. وعلى عادة الجمهوريات العربية جرى الشهر الماضي تعديل في القانون الانتخابي، يسمح لموظفي الحكومة بمراقبة العملية الانتخابية وليس لهيئة محايدة، مما يضع أوراقاً كثيرة بيد أردوغان وحزبه لرسم مسار العملية الانتخابية. كما أن بيع «مجموعة دوغان» الإعلامية الضخمة والمعارضة لأردوغان، ووقوعها بيد أنصار أردوغان، يجعل 90 في المئة من وسائل الإعلام التركية في قبضة أردوغان، الأمر الذي يساعده بالطبع على إحكام قبضته على السلطة.
يواجه أردوغان وحكومته صعوبات اقتصادية، ويتندر المعارضون في تركيا من أن طريقة التحية الإخوانية بإظهار أربعة أصابع من الكف، والتي يحب أردوغان إظهارها في المناسبات الجماهيرية المختلفة، أصبحت تعني أن الدولار يساوي أربعة ليرات تركية، في إشارة إلى مفاعيل الأزمة الاقتصادية على تركيا. يرسمل أردوغان على طفور الشعور القومي التركي بعد الدخول إلى عفرين الكردية في شمال سوريا، وعلى إبقاء قضية الانقلاب العسكري عليه عام 2016 مفتوحة دون حلول، لاستخدامها كأداة ممتازة لمحاصرة خصومه، وتبرير حالة الطوارئ وإغلاق الفضاء العام وحجب الصحف ـ كما يسمح قانون الطوارئ.
ليس معروفاً من سيكون المرشح الرئاسي المعارض لأردوغان، بسبب حبس القائد الكردي الشاب صلاح الدين دميرطاش، وإن كانت الآراء تتجه إلى ميرال أكشنير المنشقة عن الحزب اليميني «حزب الحركة القومية» بزعامة دولت باهتشلي، شريك أردوغان الانتخابي، فهل يُسمح لها بالترشح؟ هذا ما سيظهر خلال الفترة المقبلة.
دأب أردوغان وحزبه منذ عام 2002 على استخدام صندوق الاقتراع باعتباره عاكساً لإرادة شعبية، ولكن من دون تناول الأبعاد الحقيقية للأزمات المجتمعية التركية، وعلاوة على ذلك تُجرى الانتخابات المبكرة في ظل إشراف الحكومة وحزبها الحاكم «العدالة والتنمية» على العملية الانتخابية، الأمر الذي سيفضي إلى غالبية جديدة (تدور حول %51 كالعادة). بهذا النصف زائد واحد سيكاسر أردوغان النصف الثاني من المجتمع التركي، الذي تتقلص بمرور الوقت رقعة حرياته المدنية.
يبدو أن تكتيكات التيار الإسلامي الانتخابية واحدة، سواء في تركيا أو خارجها: حشد انتخابي على خلفيات هوياتية أتراك/ أكراد في الحالة التركية، وتخويف بالإرهاب، وتطويع القانون الانتخابي لضمان النصف زائد واحد، ومن ثم اعتبار أن «الأغلبية» تسوغ للحكومة نزع الحقوق المدنية عن الآخرين، وهذا هو جوهر الصندوقراطية. تنسى حكومة أردوغان مثلما تنسى حكومة السودان وحكومة إيران وسائر البلدان التي يتحكم بها التيار الإسلامي ــ مع الفروقات فيما بينها ــ أن التفويض الشعبي بالإدارة والمتأسس على أغلبيات عددية، حتى ولو كانت النصف زائد واحد هو شيء، وأن إلغاء الخصوم من العملية السياسية والتضييق على حقوقهم المدنية شيء آخر تماماً!

خبير بالشأن الإيراني والتركي

*المقالات تعبر عن اصحابها وليس بالضرورة عن الصباحية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى