كتاب وآراء

صاروا متكبرين على النعمة!

زينب علي البحراني*

كما يتم إرسال فيروس إلى حاسب آلي وتخريب برمجته؛ تم تخريب البرمجة الإنسانية الطبيعية لعقول البشر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي “السوشال ميديا”، ما أدى إلى طفرة ضارّة في الأفكار الخاطئة ووجهات النظر العنيفة، فصار الإنسان الذي تم الاستحواذ على بصره وعقله سابحًا في بحرٍ من الأوهام التي يعتبرها حقائق، ويؤمن أنها من ضرورات الحياة الأساسية.

في الماضي القريب؛ كان الإنسان واعيًا بأهمية الكد والجد والاجتهاد لتحقيق طموحاته وأهدافه في الحياة، مدركًا بأن القفز من تحت الصفر إلى ما فوق المليون أمر مستحيل دون أن يفعل ما يؤهله للوصول إلى ذاك المكان، أما الآن وبسبب الضخ المكثف للصور التي تُظهر أنماطًا فخمة من الحياة المرفهة صار الناس يظنون أن لهم الحق في تلك الحياة دون مقابل، ويتصورون أن لهم نفس حقوق الحياة مع أولئك الذين بذلوا أقصى ما يملكون من جهد وذكاء ومال لنيل تلك الشهادة العالية، أو الحصول على تلك السيارة الغالية، أو الإقامة في ذاك القصر الأنيق!

بل تطور الأمر إلى شراكات الحياة؛ فصار الرجل يسعى للبحث عن امرأة بمواصفات “فوتوشوبية” غير طبيعية، وامتلأت الدنيا بشبان يدورون مع أمهاتهم من بيت إلى بيت على مدى أعوام دون أن تعجبهن أي “ابنة حلال” خلقها الله بجمالها الطبيعي، وآخرون ضربوا أرقامًا قياسية في الارتباط ثم الانفصال دون أن يرسى رضاهم على بر، لأن ما يريدونه يختلف دائمًا وأبدًا عن صفات كل بنات الناس!

وصارت المرأة ترى في صورة “فارس الأحلام” التي تروج لها تلك المواقع أملاً وطموحًا ومُبتغى، وغدت تتوقع من شريك حياتها أن يُحول نفسه إلى ذاك النموذج كي يُعجبها وترضى به وترتضي الحياة معه!

وبما أنني أنتمي إلى فصيلة الإناث؛ لا يسعني إلى الشعور بالدهشة أمام بعض تلك النماذج الذكورية التي تروج لها تلك الجحافل فتستحوذ على عقول بعض النساء، فتراهم يتناقلون صورة ممثل لزج بليد الشكل ذو نظرةٍ شريرة وملامح باردة فاشل في في حياته الأخلاقية والعاطفية والمادية مُعلنين أنه “فاتن العذارى” و”ساحر القلوب”، وإذا بآلاف المُغيبات يركضن وراء هذا الكلام البعيد عن المنطق وكأنهن مخطوفات البصر والبصيرة!

بسبب هذا الفيروس العقلي تحول الناس في مجتمعاتنا إلى مُتبطرين على النعمة، لا يعجبهم الطعام الذي يأكلونه لأنهم رأوا صور طعام أفضل يأكله آخرون في بقعة أخرى من الأرض، لا تعجبهم بيوتهم ولا سياراتهم ولا زوجاتهم ولا أزواجهم ولا بلدانهم لأنهم رأوا صور بيوت وسيارات وزوجات وأزواج وبلدان أفخم وأجمل مما رزقهم الله به، ناسين أن هناك بشر حول الكرة الأرضية محرومين من نعمة لقمة الطعام، محرومين من سقف يؤويهم، محرومون من وسيلة مواصلات يركبونها، محرومين من دفء ومحبة الزوجة، محرومين من أمان الزوج، ومحرومين من ظل الوطن وبطاقة الهوية.

جميلٌ أن يطمح الإنسان لتحسين مستوى معيشته، لكن الأجمل أن يعرف مكانه الصحيح، وينطلق من هذا المكان بوعي وتواضع باذلاً جهده لتحقيق واقعه الأفضل بالتدريج، لا أن يدمر نفسه بالغرق في عالم الأوهام، والتكبر على واقعه الذي يشبهه ويليق به.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى