رغم الرفض العام، الموساد الإسرائيلي يستميت لاختراق الأحزاب والقيادات الكردية في مناطق شرق الفرات السورية
الدكتور أحمد الدرزي كاتب ومحلل سياسي سوري، يتميز باستقلاليته وعلاقاته الحسنة مع طيف واسع من الفاعلين السياسيين والميدانيين على مستوى سورية، ولا سيما مع الأكراد. يدعو الدرزي إلى ما يسميه وحدة مشرقية تشمل شعوب ما يعرف بالمشرق خصوصا العرب والأكراد كما يدعو إلى علاقات حسنة مع الجارين التركي والإيراني قوامها مصالح شعوب المنطقة بعيدا عن الأطماع والتدخلات الخارجية الغربية. كان للصباحية معه هذا الحوار المكثف حول الجهود الحثيثة للكيان الاسرائيلي لاستغلال حالة الأزمة السورية وربط الطموحات الكردية بفلك الإمبريالية العالمية وقاعدتها المتقدمة في تل ابيب.
الصباحية: كثر الحديث في السنوات العجاف الأخيرة عن اختراق جهاز العمليات السرية الخارجية في الكيان الاسرائيلي لكثير من المناطق المتفلتة من سلطة المركز في سوريا والعراق. حضرتك كخبير في الموضوع الكردي كيف تنظر الى هذا الاختراق ومدى نجاحه في سلخ هذه المناطق وإلحاقها بالكيان المحتل؟
من الضرورة بدايةً تبيان أن المحاولات الإسرائيلية لاختراق السوريين الكرد قد فشلت جميعها منذ تأسيس الكيان الصهيوني، وقد كان للكرد دوراً مهماً في حرب عام ١٩٤٨ كمتطوعين في جيش الإنقاذ، وقدموا العديد من الشهداء الذين انطلقوا من منطقة عفرين، ولدرجة أن منطقة صغيرة ك( شران) قدمت سبعة شهداء، ومع اندلاع الحرب على سورية في شهر آذار ٢٠١١ حاولت بعض القوى الكردية المحسوبة على الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل العراق، والذي يرتبط بعلاقات مديدة مع إسرائيل، أن يكون لها دور أساسي في استقطاب السوريين الكرد، ولكنه فشل بحكم أن حزب الاتحاد الديمقراطي كان يتمتع بقوة تنظيمية وشعبية كبيرة مكنته من السيطرة على مسار الأحداث في الشمال السوري، ورغم كل المغريات التي تلقاها من قبل تركيا للذهاب كأداة من أدوات المشروع التركي في سورية فإنه رفض، وكذلك الأمر مع كيان إسرائيل.
مع دخول تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) إلى تخوم عين العرب، وعجز الدولة السورية عن تقديم الدعم لقوات وحدات حماية الشعب، فرضت الولايات المتحدة نفسها على المشهد العسكري في الشمال بحجة مكافحة الإرهاب، ولتستثمر قلق الكرد وطموحاتهم في البحث عن مشروع سياسي يلبي أحلامهم ومتطلباتهم، ومع ذلك فإن القيادات الكردية الرئيسية لم تنزاح لإقامة أية علاقة مع إسرائيل، وخاصةً إن المزاج الشعبي العام لا يميل لإقامة روابط، أو الاعتراف بشرعية إسرائيل .
كان للقرار الأميركي المفاجئ بالانسحاب من سوريا دوراً كبيراً في إرباك الساحة الكردية بالعموم، وحزب الاتحاد الديمقراطي -حزب العمال الكردستاني-، والذي ترافق مع تهديدات تركية باجتياح المنطقة الشمالية، وهذا ما دفع ببعض القيادات الكردية للتجوال بين العواصم الغربية لضمان عدم الانسحاب الأميركي قبل حصول تسوية سياسية تمنح مناطق الكرد اعترافاً بالإدارة الذاتية، ومن الواضح أن بعض القيادات قد استثمرت هذا الأمر للوصول بالكرد إلى قناعة تقتضي بالوصول للقرار الأميركي عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن، وهذا ما دفع بها لتسهيل تمرير الرسائل الإعلامية التي تعبر عن إمكانية إقامة شراكة وتحالف بين السوريين الكرد وبين إسرائيل، وبشكل مناقض للمزاج العام في الشمال بكافة شرائحه الرافض لإقامة أي شكل من أشكال العلاقات، وهذا ما أوضحه البيان الصادر عن مجلس سوريا الديمقراطية، والذي أنكر بشكل كامل أي عقد اقتصادي مع موتي كاهانا الإسرائيلي، ويتعلق بتسويق النفط السوري وحرمان الدولة السورية من نفطها في ظل الحصار والعقوبات، وهذا البيان يدل بشكل واضح وصريح على أن المزاج العام لن يستطيع تقبل وجود إسرائيلي في الشمال، وأن الوقت غير ملائم للتعبير عن ذلك، وإن التيار الذي يعتمد على الغرب عموماً لتحقيق مكاسب قومية لم يستطع السيطرة على المشهد العام هناك، وليبق الاتهام بالتعاطي مع الإسرائيلي محصوراً بحزب اليسار الكردي الصغير من أصل اثنان وأربعين حزباً سياسياً كردياً، بالإضافة لبعض قيادات الكرد الذي ينحدرون من حزب الاتحاد الديمقراطي، وأن مصير هذه العلاقة سيكون مصيره الفشل بحكم التوجهات العامة المناهضة له، وبحكم التحولات الإقليمية وتراجع الدور الأميركي والإسرائيلي والأوروبي في الحرب المستمرة.
الصباحية: هل تعتقد أن جهود الموساد لاختراق المكونات السورية تنحصر بالبيئة الكردية أم أنها أوسع وتشمل كل مناطق وشرائح سوريا؟
الدور الإسرائيلي لا ينحصر في الشمال السوري، بل هو ممتد على كافة الأراضي السورية وإن بدرجات متفاوتة، ومواجهة هذا الخرق يعتمد على مجموعة من السياسات، والتي من المفترض أن تتم وفق برنامج متكامل لإعادة بناء الدولة القادرة على استقطاب أبنائها وعودتهم إلى كينونتها، ومن خلال رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة تنسجم مع تطلعات السوريين، ومع طبيعة التهديدات المستمرة لوجودها ودورها الإقليمي، وهي بحاجة لأن تبسط سيادتها بالدرجة الأولى على كل المناطق الخارجة عن سيطرتها، وإلى حين ذلك فإنها تستطيع كبح جماح القادة المتورطين بالمشروع الإسرائيلي بالضغط عليهم شعبياً.
الصباحية: سؤال أخير دكتور أحمد، كيف يستطيع الموساد ان يخترق بلدا كسورية بهذه السهولة على الرغم من ان المزاج العربي والكردي عموما كاره ورافض لهذا الكيان بسبب سياساته البربرية إزاء الفلسطينيين خصوصاً والعالم العربي عموما حيث لم يحصل ازمة وفتنة او انقسام او حرب منذ تاسيس الكيان الا وكان له دور خبيث فيها؟
حيث يتواجد الأمريكيون سيتواجد معهم الإسرائيليون، وهذه معادلة أثبتت صوابيتها في كل دول العالم ومناطقه، والحضور غالباً ما يبدأ بشكل غير مباشر عبر مزدوجي الجنسية، ومن ثم يتحول لوجود متعدد الأوجه، وهذا هو حال الوجود الإسرائيلي في سورية عموماً، وفِي ادلب خصوصاً، وهي استطاعت أن تبني فيها شبكات من المتعاملين وبالتعاون مع أجهزة المخابرات الغربية، وخاصة بريطانيا كما حصل في الجنوب السوري في درعا والقنيطرة وبقية المناطق، وأوضح إشارة إلى ذلك هو منظمة الخوذ البيضاء المسؤولة عن فبركة هجومات الأسلحة الكيماوية، بالإضافة لتواجد ضباط من الموساد كخبراء عسكريين من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وبقية الدول الغربية، وهناك تواجد مباشر كمتطوعين ضمن الجماعات الإسلامية المسلحة ، ويقومون بدورهم المباشر بالتخطيط والبرمجة للعمليات العسكرية . بالمحصلة فإن إسرائيل استطاعت أن تحقق خروقات كبيرة على المستوى السوري كنتيجة للانقسام السوري وانزياح قسم معتبر من السوريين للمشاريع الغربية المدمرة لبلدهم، وهم يحتاجون لرؤية مختلفة لمواجهة هذا الخرق.